الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن فن المسرحية هو أكثر فنون الأدب حاجة إلى نضج الملكة , وسعة التجربة , والقدرة على التركيز , والإحاطة بمشاكل الحياة , لا لأنه يتعمق إلى جذور الحقائق الإنسانية ويكشف الخطأ عنها فحسب , بل لأنه الفن الذي لا يمكن أن يسلم قيادته إلا لفنان , يستطيع أن يتقمص مشاعر الآخرين , وأن يجاوز حدود نفسه إلى غيره , فنان يضع في اعتباره قبل كل شيء أنه يصور أفعال الإنسان ممثلة ومرئية ومنظورة . والمسرح لا يحرك أشخاصا ً منفردين يظهر كل منهم عاطفته الذاتية , ولكن يرينا وسطا ً اجتماعيا ً يتفاعل فيه الفرد مع الآخر كما يتفاعلون في الحياة , وتصل بينهم علاقات تحدد سلوكهم ونفسيتهم , وأحداث حياتهم يلونها الصراع الذي يكون بين الفعل ورد الفعل , أو بين الفرد والجماعة . من أجل هذا كان فن المسرحية أكثر فنون الأدب استعصاء ً على كاتبه , وأشدها حاجة إلى مهارة فنية خاصة تستطيع أن تؤلف بين عناصر هذا الفن المتشعبة من : قصة وممثل ومسرح وجمهور وحوار , وأن تخضع في غير افتعال لقيود المسرح , وأن تتعاون كل هذه العناصر في غير تضارب أو تنافر حتى يصل الكاتب إلى عمل فني متكامل متناغم . وفن المسرح يعتبر أقدم الفنون الأدبية على الإطلاق , ويتضح هذا في شبه القارة الهندية بشكل خاص . حيث تعتبر الهند من الناحية المنطقية , البلد الذي نشأ فيه أول مسرح في آسيا . حيث كانت الهند منبعا ً لمعظم المسرح في آسيا . ويستطيع الإنسان , اعتبارا ً من هذه الفكرة , أن يوجه دراسته في هذا الشأن التوجيه الطبيعي , مع نظرة صادقة , في سبيل فهم صحيح لذلك البنيان الآسيوي المعقد الذي يضم الممثلين والراقصين وحرفتهم . ومن الهند تتجمع أجزاء هذا البنيان المختلفة وتتحد مع بعضها البعض في نمط معقول . والحقيقة التي قد تكون أهم من كل هذا , هي أنه ينبثق من الهند ومن الأشكال المسرحية نفسها , قاعدة جمالية يمكن تطبيقها على كل ضروب الدراما في آسيا . ونجد في التراث الهندي أن الفن الدرامي – مثله مثل بقية الفنون – ذو أصل ديني . فقد خلقه براهما , وشارك فيه من بعده آلهة البراهمانية الكبار كل بمنحة شخصية , فابتكر سيفا الرقص , وابتكر فيشنو أساليب الأداء , أما فيسفا كارما المعماري فصمم المبنى المسرحي . وهكذا اكتمل الجانب الأسطوري للدراما جامعا الشعائر اللازمة لتوليد فن شامل , لكن دون أي صحة تاريخية . أما بالنسبة للمسرح الأردي الحديث فإن عمره لا يتعدى القرنين من الزمان . فقد بدأ المسرح الأردي في شبه القارة الهندية – طبقا ً لأصح وجهات النظر – عام 1843م بمسرحية ” رادها كنهيا ” لـ” واجد علي شاه ” , وقد ظل المسرح الأردي قرابة الثمانين عاما ً لا يقدم إلا مسرحيات من أجل التسلية والمتعة والربح التجاري , ولكن مع عشرينيات القرن العشرين بدأ المسرح الأردي يتخذ اتجاها ً جديدا ً , فبدأ الكتاب يهتمون بالقضايا الاجتماعية والأخلاقية والسياسية , وبدأ المسرح الجاد الواقعي في الظهور . وتعتبر مسرحية ” باپ كا گناه ” ( ذنب الأب ) بمثابة نقطة تحول في اتجاهات المسرح الأردي في العصر الحديث , فمنذ ظهور أول ومسرحية أردية في بداية القرن التاسع عشر , وحتى الربع الأول من القرن العشرين , كان كتاب المسرح الأردي لا يهتمون إلا بكتابة مسرحيات تنال إعجاب عامة الناس وترضي أذواقهم . ولم يهتم أحدهم بتناول موضوعات اجتماعية أو أخلاقية أو جادة . وكانت أغلب الموضوعات تدور حول الأساطير والحكايات التاريخية والقصص الرومانسية , أو مسرحيات مترجمة من اللغات الأخرى وخاصة الهندية والإنجليزية . وكذلك كل الشركات المسرحية التي ظهرت في تلك الفترة , كانت تهتم بالربح المادي وتسلية الجماهير . أما مسرحية ” باپ كا گناه ” ( ذنب الأب ) , التي كتبها ” أحمد شجاع ” في سنة 1919م , فقد أخذت اتجاها ً آخر تمثل في الكشف عن المشكلات الاجتماعية والفساد الأخلاقي في المجتمع الهندي في ذلك الوقت . ومحاولة المؤلف لإيجاد حلول لهذه المشاكل من خلال هذا العمل المسرحي . ويرى العديد من نقاد المسرح والأدب الأردي : أن مسرحية ” باپ كا گناه ” ( ذنب الأب ) , كانت مختلفة كليا ً عما كان يكتب من مسرحيات في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , سواء من حيث الموضوع الجاد, أو من حيث البناء الدرامي المحكم , والذي كانت تفتقده معظم المسرحيات في ذلك الوقت . يذكر الناقد ” عظيم الحق جنيدي ” في كتابه ( اردو ادب كى تاريخ ”تاريخ الأدب الأردي” ) أن : ” المؤلف ” أحمد شجاع ” أول من راعى متطلبات البناء الدرامي في كتابة مسرحياته , وكان أول من تناول موضوعات أخلاقية واجتماعية . وقد نالت مسرحيته ” باپ كا گناه ” ( ذنب الأب ) مكانة أدبية عالية بين المسرحيات الأردية , كما نشرت بعض مشاهدها في العديد من المجلات المشهورة في ذلك الوقت , وتم عرضها عدة مرات على المسرح في مدينتي لاهور وبومباي ” . ويقول عنها الناقد ” سيد بادشاه حسين ” في كتاب ( اردو میں ڈراما نگاری ”كتاب المسرح في الأردية” ) أن : ” كل كتاب المسرح في ذلك الوقت كانوا يكتبون مسرحيات من أجل عرضها على الشركات المسرحية , عدا ” أحمد شجاع ” الذي لم يهتم بإرضاء ذوق عامة الناس , ولا بالربح التجاري , لكنه اهتم بإصلاح أحوال المجتمع , والتحرر من تلك الطريقة القديمة البالية في كتابة المسرحيات ؛ من أجل التسلية والترفيه , ومسرحية ” باپ كا گناه ” ( ذنب الأب ) خير مثال على ذلك ” . ويفرد لها الكاتب ” اے بى اشرف ” عدة صفحات في كتابه ( مسائل ادب ”مشكلات أدبية” ) حيث يقول عنها : ” في الوقت الذي كتبت فيه مسرحية ” باپ كا گناه ” ( ذنب الأب ) , كان هذا هو عصر كبار كتاب المسرح أمثال : ” احسن ” , ” بيتاب ” , و” آغا حشر ” . وفي هذا العصر لم يكن اتجاه المسرح للحديث عن المشكلات الاجتماعية والأخلاقية , بل كانت موضوعاته هي القصص الرومانسية والحكايات الخيالية , وكان المسرح يمتلئ بالرقص والغناء والمزاح المبتذل . لكن مسرحية ” باپ كا گناه ” ( ذنب الأب ) كانت تختلف تماما ً عن هذا النمط السائد في ذلك العصر . فهي أول مسرحية أردية تتناول قضايا اجتماعية مهمة , والتي وضع مؤلفها نصب عينيه – وقت تأليفها – الرغبة الهادفة في إصلاح حال المجتمع , وكانت نتيجة عصارة جهده وتفكيره وبحثه عن حلول تلك المشاكل الاجتماعية . فلم يظهر فيها المزاح الرخيص أو الحوار المبتذل , ولم تكن مرتعا ً للرقص والغناء ” . وقد نالت هذه المسرحية شهرة واسعة ونجاحا ً كبيرا ً عند عرضها على المسرح في سنة 1922م في بومباي , ثم عرضت مرة أخرى في عام 1923م في لاهور ؛ مما أدى إلى عرضها بعد ذلك كفيلم سينمائي بعد ظهور السينما , وكذلك أعيد طبعها عدة طبعات ولعدة دور نشر مختلفة . لكن نجاحها الفني في ذلك الوقت لم يكن هو سبب شهرتها , بل إن نجاحها على المستويين الأدبي والنقدي هو الذي جعلها تحتل مكانة خاصة في تاريخ المسرح الأردي . وقد وقع اختيار الباحث على مسرحية ” باپ کا گناه ” ( ذنب الأب ) للكاتب المسرحي ” حكيم أحمد شجاع ” ؛ نظرا ً لإعجابه بموضوع المسرحية وبكاتبها من خلال قراءته لكتب النقد التي تحدثت عن المسرحية . كما أنها كانت أول عمل مسرحي يهتم مؤلفه بإحكام الحبكة الدرامية , واختيار شخصيات من واقع الحياة , ولهذا أراد الباحث أن يثبت مدى أهمية هذا العمل الدرامي , ومقدار المكانة التي يحتلها في تاريخ المسرح الأردي . |