![]() | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص أسباب إخيار هذا الموضوع :- أولاً : أن الدارس للمراحل التي مر بها تاريخ الفقه الإسلامي ، يلحظ أنه ما اشتد عوده ولا أينعت ثماره إلا في ظل المذاهب والمدارس الفقهية ، لذلك فإني اخترت دراسة مدرسة من هذه المدارس الفقهية لسبر أغوارها ، ومعرفة خصائصها ، وأشهر علمائها ، وأثرها . ثانياً : أن مما يثلج الصدر ، ويسمو بالنفس ، ويُعلي الهمة ، دراسة سير أولئك العلماء الإجلاء أصحاب المدارس الفقهية ، الذين كان لهم الفضل الكبير في تدوين الفقه الإسلامي وتقعيده ، والوقوف على مآثرهم وما خلّفوه من مصنفات عظيمة مثلت في هذا الوقت التراث الكبير لهذه الأمة الإسلامية . ثالثاً : أني لم أجد بحثا مستقلا - فيما اطلعت عليه - خُصص عن المدرسة المصرية المالكية بخلاف المدارس الفقهية الثلاثة الأخرى للمذهب المالكي فقد كتبت فيها إما رسائل علمية مستقلة أو بحوث فقهية كثيرة ؛ لذلك فإنني استخرت الله تعالى في الكتابة في هذا الموضوع لعل الله تعالى أن ينفع به ليكون لبنة تضاف للمكتبة الإسلامية . رابعاً : أهمية المدرسة المصرية المالكية وذلك للأسباب الآتية : 1- أن المدرسة المصرية تأسست على أيدي كبار تلامذة الإمام مالك الذين هم في الوقت نفسه من أشهر علماء المالكية على الإطلاق كابن القاسم وابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم . 2- أن علماء المالكية عند الترجيح بين مدارس الفقه المالكي ، رجحوا المدرسة المصرية على غيرها من المدارس الأخرى عند الاختلاف ، وذلك في الغالب الأعم . خامساً : إن لهذه الدراسة فائدة عظيمة من ناحيتين : 1- دراسة تاريخ الفقه المالكي في الديار المصرية والأدوار التي مر بها من عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم ، ومرورا بعصر ظهور المذاهب الفقهية ، وانتهاء بالعصر الحديث . 2- معرفة وتجلية هذه المدرسة العريقة الجذور ، الأصيلة المنبع ، الكبيرة الشأن ، التي كان لها الأثر الكبير في المذهب المالكي ، وذلك من خلال علمائها الأجلاء الذين بلغت شهرتهم الآفاق ومصنفاتها التي حشيت بالدر والياقوت من جواهر المسائل وطيب الكلام . النتائج :- أولاً : كان للصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قصب السبق في تعليم أهل مصر أحكام دينهم ، ونشر العلم فيما بينهم ، فهو قد ترك آثاراً طيبة وبصمات ناصعة البياض كانت لفقهاء ذلك العصر نبراساً يستضاء به لمعرفة الحكم الشرعي في المسائل الفقهية . ثانياً : أن الفقه الإسلامي في مصر قد بدأ فعلا على يد يزيد بن أبي حبيب ، والذي يدل على ذلك أن المؤرخين وأصحاب السير كالكندي ، وابن زولاق ، والمقريزي ، وابن القيم ؛ ذكروا أن يزيد بن أبي حبيب يعتبر أول المفتين والفقهاء في مصر ، وهو - أيضا - أول من أظهر العلم بمصر ، والكلام في الحلال والحرام ومسائل الفقه . ثالثاً : تعتبر مصر أول أرض انتشر بها مذهب الإمام مالك بعد المدينة المنورة . رابعاً : أن أهل مصر ممن طلبوا العلم في المدينة المنورة كانت لهم عند الإمام مالك الحظوة الكبيرة والمنـزلة الرفيعة ؛ إذ كانوا من السابقين الذين دخلوا عليه بعد أهل المدينة . خامساً : أن عثمان بن الحكم الجذامي وعبد الرحيم بن خالد بن يزيد هما أول من أوصل علم مالك إلى مصر ، ومنذ ذلك الحين عرف أهلها المذهب المالكي ، وأصبح له أتباع فيها . سادساً : يعتبر عبد الرحيم بن خالد بن يزيد أول من أدخل الموطأ إلى بلاد مصر . سابعاً : أن عصر الطبقة الوسطى من أصحاب الإمام مالك من المصريين كابن القاسم وابن وهب وأشهب وعبد الله بن عبد الحكم ؛ هو العصر الذهبي للمذهب المالكي . ثامناً : أن من ذكرناهم آنفا يعتبرون من أوائل مؤسسي المدرسة المصرية المالكية . تاسعاً : ذكر علماء المالكية أن ابن القاسم يعد من كبار المصريين وفقهائهم ، وأنه لم يقعد إلى مالك مثله ، وليس في أصحاب الإمام مالك من عرف مذهبه مثل ما عرفه ابن القاسم ، فهو له الفضل الكبير في نشر المذهب المالكي في مصر والمغرب العربي ، وهو واضع الأساس الأول في التخريج على أصول الإمام مالك والتفريع عليها ، وأنه من أوائل من حمل الموطأ إلى مصر . عاشراً : أن المدرسة المصرية المالكية لم ينقطع عطاؤها بعد عهد الدولة العبيدية - كما قال بعض الباحثين - بل استمر ، والدليل على ذلك أن هذه المدرسة ما زاد عطـاؤها وتأثيرها في الفقه المالكي إلا بعد عصر العبيديين ، فابن شاس (ت 610هـ) ، وابن الحاجب (ت 646هـ) ، والقرافي (ت 684هـ) ، وخليل (ت 776هـ) ، والخرشي (ت 1101هـ) ، والعدوي ( ت 1189هـ) ، والدردير (ت 1201هـ) ، وعليش ( ت 1299هـ) من الجهابذة العظام الذين كان لهم تأثير بالغ وبصمات جلية ، لا أقول في المدرسة المصرية فقط ، بل في المذهب المالكي كله . |