Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
التجارة البحرية لإقليم برقة خلال العهد العثماني الثاني (1835-1912م)/
الناشر
جامعة عين شمس.
المؤلف
سليمان،المبروك محمود صالح.
هيئة الاعداد
مشرف / إبراهيم جلال أحمد
مشرف / صالح مصطفى مفتاح
مشرف / إبراهيم جلال أحمد
باحث / المبروك محمود صالح سليمان
الموضوع
التجارة البحرية. إقليم برقة. العهد العثماني الثاني.
تاريخ النشر
2012.
عدد الصفحات
P.438:
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
1/1/2012
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - التاريخ
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 438

from 438

المستخلص

يحتاج تاريخ ليبيا الاقتصادي الحديث والمعاصر إلى المزيد من البحث والدراسة، إذ إنَّ هناك نقصاً في الدراسات التي تتناول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية منه. ذلك لأن أغلب الدراسات والأبحاث التاريخية اعتمدت طريقة السرد التقليدي للتاريخ السياسي وهو ما يعني تأريخاً للنفوذ الأجنبي أكثر من كونه دراسة تاريخ الأهالي والمؤسسات التجارية المحلية والدولية.
تُعُّد العلاقات التجارية بين الدول ضرورة حياتية عبر التاريخ، وذلك لحتمية تبادل السلع والخدمات والثقافات بين الأفراد والدول. وقد جعل الموقع الجغرافي لليبيا في القارة الأفريقية الذي يتوسط منطقة الشمال الأفريقي منها المدخل أو البوابة الأولى لوسط القارة والمعبر الرئيس لأفريقيا نحو أوروبا عبر موانيها على البحر المتوسط. وقد كان لهذا الموقع الدور البارز في ربط وتوثيق الصلات بين الساحل والصحراء من جهة ووصل مناطق ما وراء الصحراء بجنوب أوروبا من جهة أخرى؛ الأمر الذي أدى إلى ازدهار النشاط الاقتصادي خلال العهد العثماني الثاني، كما كان للمراكز والموانئ على طول الساحل الليبي منذ تكوينها في الفترة الفينيقية دورُ بارزُ في توثيق الصلات التجارية مع منطقة ما وراء الصحراء وبين دول الساحل للشمال الأفريقي.
عرف الإنسان التجارة البحرية أو التبادل التجاري عن طريق البحر منذ فجر التاريخ. ودلّتْ المخطوطات التجارية على وجود علاقات تجارية بحرية بين الشمال الأفريقي ومدن السواحل الأوروبية والساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط وكذلك بحر الشمال والمحيط الأطلسي، وقامت تلك العلاقات التجارية في الأساس على تبادل ومقايضة السلع والبضائع؛ أياً كانت قيمتها المادية أو مدى أهميتها.
ولقد شكّل حوض البحر المتوسط محوراً للتواصل الحضاري بين قارات العالم القديم(آسيا- أفريقيا- أوروبا) حتى العصر الحديث؛ حيث تفاعلت في إطاره الحضارتان العربية الإسلامية والغربية تأثيراً وتأثراً في شتي المجالات - سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية - ومنذ نهاية الوجود العربي الإسلامي في الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، تصاعد المد الاستعماري الأوروبي حتى سيطر على الموانئ العربية الإسلامية المطلة على الحوض الجنوبي للبحر المتوسط، مما دعى إيالة طرابلس الغرب إلى طلب المساعدة من الدولة العثمانية للدفاع عنها في مواجهة القوات الغربية، وهو ما أدى إلى تدّخلِ العثمانيين في هذا الإقليم للذود عن دول الإسلام، وأصبحت بعد ذلك دول الشمال الأفريقي - ما عدا المغرب الأقصى - في ظل التبعية العثمانية.
وإذا حاولنا أن نحدد تاريخاً معيناً لبدء حركة النشاط التجاري البحري في موانئ إقليم برقة لاسيما ميناء بنغازي، فسنجد أنها قديمة جداً، وإنْ كان من الصعب تحديد زمن معين لبدايتها، على أن الأمر الذي لا شك فيه، هو أن بدايتها تعود إلى عهد الإغريق، إذ كانت تلك التجارة مزدهرة لديهم وكانوا رجال بحر وتجارة، وما أن حطوا رحالهم في مدينة يوهسبريدس (بنغازي)، كما كانت تعرف في ذلك الوقت، حتى أسّسوا بها مراكز تجارية، وبفضل نشاطهم البحري عبر ميناء بنغازي أصبح حلقة الوصل بينهم وبين الدول الأخرى، كما أقاموا علاقات وثيقة بالمناطق الأفريقية.
استمرت التجارة البحرية في الازدهار في العهد البطلمي، إذ لاحظت الملكة ”برنيقة” أهمية العوائد والثروات التي تعود من ورائها، فطورتها حتى أصبحت تباع في أسواق مدينة برنيقة (بنغازي) مختلف أنواع البضائع القادمة إليها عبر مينائها البحري المهم.
ثم استمرت التجارة البحرية للإقليم في الازدهار إبّان العهد الإسلامي، على الرغم مما لحق بها من خراب ودمار نتيجة لحروب الوندال (440 - 543م)، غير أنها استطاعت النهوض مجدداً بفضل استقرار جماعات من العرب واتخاذهم الحصون والقلاع مقراً لهم، مما أدى إلى ازدهارها، وشجع أهل البلاد على القدوم والاستقرار، مثلما هو الحال مع الجماعات القادمة من مناطق مصراتة وتاجوراء وزليتن. كما كان لموقع المدينة (بنغازي) وسط ملاحات كبرى، وحاجة أوروبا لمادة الملح، وقرب هذه الملاحات من منطقة رسو السفن أثره في تشجيعهم على الاستقرار والبقاء بصورة دائمة، وجعل موانئ الإقليم تظهر على خرائط الملاحين الأوروبيين منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وهو ما يدل على انتعاش الحركة الملاحية لتلك الموانئ، ودعم ذلك الموقع نمو علاقات تجارية وسياسية مع دول العالم المختلفة، وكان لهذا الموقع الجغرافي أثره الكبير في قيام صراعات خفيه وأخرى علنية بين الدول القوية عبر العصور لمحاولة السيطرة عليها، مما أدي إلى خضوع الإقليم لسيطرة القوى الأجنبية في العصر الحديث.
عرفت بنغازي - التي كانت تعد عاصمة الإقليم في تلك الفترة - باسم (كوية الملح)، ثم باسم (مرسى بنغازي)؛ وأصبحت محطة للقوافل التجارية القادمة من السودان وأفريقيا عن طريق أوجلة وفزان، باعتبارها حلقة وصل بين بلدان أوروبا وأفريقيا. وهذه الأهميَّة لم تكن وليدة القرن الثامن عشر بقدر ما تعود إلى فترات قديمة.
وقد ارتبطت موانئ الإقليم (درنة وبنغازي وطبرق) بخطوط بحرية منتظمة مع مصر وموانئ دول الشمال الأفريقي وجنوب أوروبا والجزر الإيطالية ومالطا من خلال عمليات التبادل التجاري الواسعة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
وعندما احتل العثمانيون هذا الإقليم تمكّنوا من بسط سيطرتهم عليه عام 1638م، فكسدت التجارة البحرية نوعاً ما نتيجة احتكار الولاة للتجارة الخارجية، فأصبح الوالي هو المستورد الوحيد، يشتري ويبيع كما يشاء فكسدت التجارة، وبكسادها كسدت الأسواق، وأخذ الكثير من التجار يغادرون الإقليم خوفاً على أموالهم.
ولعبت البحرية الليبية دوراً بارزاً في الصراع البحري الذي دار في حوض البحر الأبيض المتوسط في العصر الحديث وخاصة في العهد العثماني الأول والعهد القرمانلي الذي اهتم ولاته بدعم الجهاد البحري وتقويتها زيادة في تدعيم اقتصاد دولتهم الفتية. ولقد رافق ذلك الصراع تطورات وتيارات دولية ساهمت في بلورة ذلك الصراع البحري بين المشرق الإسلامي والغرب المسيحي فيما عرف عند الغربيين باسم ”القرصنة”، وهي مفهوم غربي يقابله لدي المسلمين ”الجهاد البحري” ولا زالت تلك الظاهرة ازدواجية المفاهيم والتفسير مثيرة لاهتمام الباحثين وقضية ملحة تستدعي دراستها وتقييمها من جديد.
وتميزت الحركة التجارية في الإقليم بالنشاط والحيوية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بفضل عامل استقرار الأوضاع العامة في الإقليم، وبسط إدارة الحكومة نفوذها نحو المناطق الداخلية من جهة، وبروز أهمية الإقليم كموقع حيوي مهم بالنسبة لتجارة القوافل الصحراوية المحملة بالبضائع والسلع المختلفة من جهة أخرى، إذ إنّ تجارة الإقليم مع المناطق الأفريقية كانت تستخدم الطرق والمواصلات ذاتها التي تربط المناطق الساحلية بالمناطق الأفريقية وعبر طرق متفرعة منها.
وكان من عوامل ازدهار التجارة البحرية التي عُدتّ من أهم المظاهر الاقتصادية المتطورة آنذاك في إقليم برقة، تطور التبادل التجاري الدولي، وزيادة البحث عن المواد الأولية، وفتح أسواق جديدة، وقد انعكس ذلك على ازدهار التجارة الداخلية بالإقليم، من خلال بروز أنماط مختلفة للتعامل التجاري، وازدهار العديد من المراكز التجارية في برقة، والأسواق والفنادق. حيث تمتّع إقليم برقة في تلك الفترة بازدهار اقتصادي في بعض الفترات نتيجة تنوع المحاصيل الزراعية من حبوب وفواكه، وما كان ينتجه من صناعات تقليدية مثل صناعة الحرير والأواني النحاسية وغيرها من الصناعات، علاوة على المنتجات المتعددة التي تم استيرادها من أواسط إفريقيا والدول الأوروبية.
والمقصود بالتجارة البحرية في الدراسة: مجمل النشاط الاقتصادي للإقليم المتمثل في الاستيراد والتصدير والنشاط التجاري للسفن المحلية والأجنبية، وما تُصّدره السلطات من قوانين وقرارات ولوائح وأوامر لتشجيع وضبط هذا النشاط، وما يترتب على ذلك النشاط من علاقات بين المستوردين والمصدرين، وقيام الوكالات التجارية وأثر كل ذلك في تنشيط تلك الحركة، وفي قيام علاقات متبادلة بين المؤسسات والأفراد في إقليم برقة، وتطور علاقات الإقليم ببلاد السودان الغربي والأوسط، لاسيما أن أبناءها تراكمت لديهم معرفة واسعة بمسالك الصحراء الكبرى ودروبها وطرقها، الأمر الذي ساعدهم على التواصل مع تلك المناطق وإقامة بيوت تجارية ووكلاء تجاريين يروجّون لبضائع وسلع حوض البحر المتوسط والشمال الأفريقي وكانت الواحات البرقاوية ومنها جالو وأوجلة وكفرة تُعّد جسراً للتواصل البشري والاقتصادي على جانبي الصحراء وخاصة خلال العهد العثماني الثاني.
إن دراسة حركة التبادل التجاري للصادرات والواردات، وما يتعلق بها من تحديد الأصناف التجارية، والعوامل المؤثرة في انسيابيتها، يتطلب التركيز على المعطيات الواردة بشيء من التوضيح، خاصَة أنَّ الدراسات السابقة حاولت إبراز النشاط التجاري من خلال أهمية الموقع كمنطقة لتجارة العبور (الترانزيت) بين أوروبا وأفريقيا، على الرغم من أن حركة التبادل التجاري بين أوروبا من جهة والإقليم من جهة أخرى، لم تكن في ذلك الوقت أقل من تجارة العبور خلال الفترة موضوع الدراسة، وتحديداً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والسبب هو حالة الأمن والاستقرار المتوفرة والاهتمام الحكومي والأهلي بقطاعي الزراعة والتجارة الأمر الذي مكنّ الإنتاج المحلي من خوض غمار المنافسة، وجعله يتصدر قائمة الصادرات على مدار سنوات عديدة، كما شكل الانفتاح العام على الواردات التجارية، وتوفر نوع من الازدهار الاقتصادي المحلي فرصة لاستهلاك كميات كبيرة من السلع والمنتجات الأجنبية في الداخل.
وقد حاول الولاة العثمانيون بعد اكتمال السيطرة العثمانية على البلاد في الفترة التى تمتد من 1835 – 1912م تشجيع التجارة البحرية، ونظراً للنشاط التجاري البحري للإقليم عبر العصور ولأهمية هذا النشاط في حياة مجتمع برقة والدولة العثمانية، أقام بعض حكام الإقليم علاقات تجارية طيبة مع تجار أوروبيين، كما شجّعوا التجارة مع وسط أفريفيا، ومن خلال ذلك تم فرض الرسوم الجمركية على البضائع التي يتم تصديرها أو استيرادها، وكانت قيمة الضريبة الجمركية تُحَدًد في الاتفاقيات التي تعقد مع الدول الأخرى، كما بذلوا جهداً كبيراً من أجل تسهيل عمليات التبادل التجاري من خلال التعامل بالعملات المحلية للدول التي كان يتم التعامل التجاري البحري معها.