Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الوسطية عند الماتريدية وابن رشد وأثرها في الفكر العربي المعاصر/
المؤلف
سالم, ألفت حلمي أحمد.
هيئة الاعداد
باحث / ألفت حلمي أحمد سالم
مشرف / سهير فضل الله أبو وافية
مشرف / وفاء سمير علي
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
276 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
فلسفة
تاريخ الإجازة
1/1/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية البنات - الفلسفة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 276

from 276

المستخلص

لقد أرسل الله لنا ديناً قيماً من لدن حكيم خبير .. حكيم يقَّدر نزعات الإنسان وطموحاته الهائلة، وخبير بقدره تحمل العبد على أقداره وعلى الأمانة التي حملها.. فقد ظلم الإنسان نفسه باختياره التكليف الذي أبت السماوات والأرض والجبال أن تحمله.. ولكن حمله الإنسان .. جهلاً منه وظُلما لنفسه، ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل له منهجاً يتسم بالوسطية والتعادل حتى ييسر له حمل تلك الأمانة فقد يظلم الإنسان نفسه ولكن مولاه لا يظلمه .. بل يدعوه لمنهج يتسم في كل جوانبه بالوسيطة فنجد الصلاة وهي عماد الدين خمسون صلاة مفروضة، ولكن بالوسطية أصبحت خمس فروض فقط، حيث لم يلغها المولى سبحانه تماماً .. وكذلك لم يفرضها خمسون ولكنها الوسطية، وكذلك الركن الثاني في الإسلام الزكاة فُرضت بقدر محدد من مال المذكيِ ولم تفرض على المذكي أن يتذكى بنصف ماله أو أكثر .. وكذلك لم يلغها من الدين سبحانه حرصاُ على العلاقة بين المؤمنين، وقد جاء الفرض بنسبة لا تؤثر على مال المذكى.. وهذا لا شك توسط في الأمر .. أما الصيام فقد فُرض شهراً واحداً من إثنى عشر شهراً فلم يفرضه سبحانه ستة أشهر على سبيل المثال .. بل إنه التوسط في الأمور والسماحة في الفروض، ومرعاة للخلق في صبرهم على المنهج، أما الحج ركن الإسلام الأعظم فقد فرض مرة واحدة في العمر .. ولمن؟؟ .. لمن استطاع إليه سبيلا .. وهذا لأن الدين ما نزل إلا للتيسير على الخلق في تطبيق منهج الله سبحانه (فضلاً عن أن البشر الذين وهبهم الله تعالى مراتب عالية ووجود في المقدمة لا يملكون أي مبرر لفرض أجواء الأفضلية على غيرهم) غير أنهم يتمتعون بالأخلاق الحسنة والاعتدال والوسطية.
وكذلك تم إظهار الوسطية في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حيث العديد والعديد من التعاملات الوسطية المعتدلة ألم يكن أكثر دعاء النبي (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي أخرتي التي إليها معادي، وأجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)( ).
أليس هذا الدعاء من النبي الكريم يحتوى مفهوم الوسطية، ثم اخترت فرقة يتسم فكرها بالوسطية والتعادل وهي الفرقة الماتريدية فنجدها في مبحث مصادر المعرفة لم تعتمد على مبحث واحد فقط ولكنها إرتكزت على ثلاث مصادر فإن (السبيل التي يتوصل بها إلى العلم بحقائق الأشياء ثلاث أولاً العيان، ثانياً الأخبار، ثالثاً النظر) ( ) وكل مصدر من هذه المصادر له ما يختص به من معارف حيث أن (حاجات الإنسان عديدة، لأنه كائن متعدد الجوانب)( ) يرى ويسمع ويعقل (وهذه هي القدرة الإنسانية التي تميز الاستجابات الإنسانية من ردود الفعل الحيوانية)( )، أما المعرفة الدينية فإنها تقوم على مصدرين يقول (أصل ما يعرف به الدين وجهان أحدهما السمع والآخر العقل)( ) .. أما التقليد فإنه يؤكد أنه لا يمكن الركون إليه في المعرفة الإنسانية، وتحتل المعرفة الدينية منزلة شريفة (إذ لابد أن يكون للخلق دين يلزمهم الاجتماع عليه وأصل يلزمهم الفزع إليه) ( ).
ويوضح أهمية النقل أو الخبر حيث هو المصدر الوحيد لمعرفة الغيب أما النظر والتأمل وإعمال العقل فإن التعقل ضروري للعقل نفسه، فلابد من التأمل في الأمور النافعة للإفادة منها وكذلك الأمور الضارة لدفعها والبعد عنها.
وقد اهتم الماتريدي بتوضيح الفرق بين التأويل والتفسير (فالتفسير ذو وجه واحد والتأويل ذو وجوه كثيرة) ( ).
ونستطيع أن نلمس مفهوم الوسطية في فكر الماتريدي في قضية أفعال العباد حيث اتخذ موقفاً وسطاً بين الجبرين والقدرين وحيث يثبت أن أفعال العباد مخلوقة لله ومكتسبه للخلق قائلاً (العدل هو القول بتحقيق الأمرين) ( ).
ويتجلى مفهوم الوسطية عند الماتريدية في تقسيم قدرة العبد واستطاعته إلى قسمين:
الأول: يعنى استطاعة الأسباب والأحوال ولا تقوم الأفعال إلا بها وهي من النعم التي يكرم بها الإنسان.
الثانية: هي استطاعة الأفعال وتعني فعل الاختيار وبه يكون الثواب والعقاب فهي مناط التكليف وهي ليست صفة ثابتة للعبد، وإنما يخلقها الله له في حال وقوع الفعل .. وهذا موقفاً وسطاً في الفعل الإنساني بين الخالق والمخلوق حيث آراء الماتريدي تشتمل على الوسطية.
تناولت الوسطية في الفكر العربي الإسلامي ممثلاً في إبن رشد حيث أن الوسطية توجد بين جوانب فلسفته في أكثر من موضع .. متأثراً بأرسطو في كثير من الآراء، وكيف أن الفضيلة وسط بين زيلتين هم الإفراط والتفريط ونجد الوسيطة عنده كذلك في الحديث عن الإرادة الإنسانية وكيف أن الإنسان يتمتع بالحرية في القيام بالفعل أي كان الفعل فإن المولى سبحانه وتعالى (لا يفرضه فرضاً مطلقاً) ( ) على الإنسان (فإذا كان الله تعالى يخلق جواهر الأشياء كبذره القمح مثلاً إلا أن البذرة لا تصلح سنبلة إلا عن طريق عمليات يقوم بها الإنسان) ( ).
وهذه الوسطية هي التي تحقق الإرادة الإنسانية مع قدرة الخالق سبحانه وتعالى. وتتضح الوسطية جليلة في محاولته التوفيق بين الفلسفة والدين في العديد من كتبه، فإنه كان مؤمناً بالعقل أشد الإيمان لذلك كان يدافع عن التأويل والقياس، فإنه على إيمانه الشديد بالعقل إلا أنه حاول أن يقف موقفاً وسطاً بين الفلسفة والشريعة.
وهذا واضح في نظرية الطبقات الثلاث ...
وبهذا فإن الوسطية كان لها مكان في فكر الفليسوف إبن رشد ثم تناولت الوسطية في الفكر العربي المعاصر واتخذت نموذجاً له الإمام جمال الدين الأفغاني، وتلميذه الشيخ محمد عبده.
فنجد الإمام جمال الدين استطاع من خلال دروسه في الدين والعقيدة والتصوف والفلسفة والأخلاق أن يحى الشعور الديني في قلوب المسلمين ويثير الهمة الوطنية في قلوبهم وهذا مما دفعني لاختيار الإمام نموذجاً فقد حاول إيقاظ الروح الكامنة في الإنسان الشرقي من خلال منهج يقوم على الوسطية في الفكر حيث جمع بين الحضارة الغربية بما فيها من تطور ورقي وبين قيمة الدين بعقائده وشرائعه في منظومة تدعو الأمة العربية إلى التطور والرقي ومواكبة العصر بما فيه من تحديات وكذلك احتفاظها بدينها وعقيدتها السمحة التي تحث على التقدم والنمو .. فقد كان الإمام حريصاً على احتفاظ الأمة بكيانها وعدم الذوبان الفكري الإسلامي في الفكر العالمي .. وهذا واضح في مبادئ الإمام ومنهجه الذي اتبعه في كل البلدان التي قام بالدعوة فيها .. حيث الدعوة للتقدم الحضاري الواعي وقد اتبع الشيخ محمد عبده منهج الإمام الأفغاني..
حيث اعتمد على الوسطية في منهجه متخذ التدرج سبيلاً لتحقيق هدفه فلم يطلب من الشعب أن يترك ما ألفه وما نشأ عليه من عادات وقيم وموروثات .. بل إنه أولى إهتماماً لما أحبوه وألفوه وكان محبباً إلى نفوسهم وطلب منهم أن يغيروه ولكن بتأني وتدرج .. حتى يكون التغير يسير على النفس فإذا ثُبت التغير طلب منهم تغير غيره يقول د/مصطفى عبد الرازق (أما طرق الأستاذ في الإصلاح والرقي فهو طريق التدرج، يريد أن يحتفظ للأمة بعوائدها الكلية المقررة في عقول أفرادها) ( ) من خلال المرونة في التطبيق وكذلك من خلال وسطية حقيقية..
ويتضح فكر الوسطية عند الشيخ محمد عبده من خلال موقفه من الحضارة الغربية .. فلم يأخذ موقف الرافض لها بكل ما فيها وما وصلت إليه من تطور ورقي .. وكذلك لم يأخذ موقف المنبهر بتقدم الغرب وعلومه .. ولكنه كان له موقفاً وسطياً جامعاً بين الغرب والشرق، وأن علينا ألا ننسى حضارة الأمة الإسلامية الماضية.
وقد إتبع الشيخ محمد عبده منهج الإمام الوسطي معتمداً على التدرج في الفكر وحضارتها الماضية التي كانت تتمتع بكل التقدم والرقي وأن نتعلم منها، وكذلك الأخذ من الغرب ما يتناسب مع الدين الإسلامي الحنيف بما فيه من مفاهيم تدعو للتقدم لننهض بأمتنا للأمام فإن العقيدة الإسلامية (إنتشرت بين العرب لأنها معدة ومجهزة للعالم بأكمله)( ) حيث المعتقدات المستوعبة لكل ما يأتي من تطور للبشرية.
لقد حاولت من خلال البحث إلقاء الضوء على مفهوم الوسطية على مر العصور المختلفة في الفكر وقد تبينتُ أن مفهوم الوسطية موجود في العقيدة برمتها في فروضها، وأوامرها، وشريعتها الإسلامية وكان هذا داعياً أن لا تغفله الفلسفة الإسلامية في قضاياها وأبحاثها، وإيماناً بقوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)( ).