الفهرس 
الفصل الأول : ماهيّة الوساطة الجنائيةيوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام
 |  | from | 134 |  |  |
| | | from | 134 | | |
المستخلص
تشهد السياسة الجنائية المعاصرة، محاور جديدة للاهتمام بالمجني عليهم، والأخذ بسياسة الحد من التجريم والحد من العقاب، والمعالجة غير القضائية للمنازعات الجنائية، وقد أصبحت الوساطة الجنائية – بما تقوم عليه من تعويض المجني عليه وتأهيل الجناة – من أهم بدائل الملاحقة القضائية في مختلف التشريعات، ولهذا تشهد السياسة الجنائية المعاصرة توجها جديداً، للأخذ بفكرة الرضائية، والتخلي عن فكرة العقوبة، وتبني بدائل للدعوى الجنائية، باعتبار أن الدعوى هي الوسيلة القانونية الوحيدة، لتطبيق العقوبة، التي أصبحت قاصرة عن تحقيق أهدافها في الردع والإصلاح، فنشأ ما يعرف بأزمة العدالة الجنائية، الأمر الذي زاد في تعقيد الإجراءات وتراكم الدعاوى الجنائية، فظهرت اتجاهات حديثة، تنادي بتطبيق بدائل للدعوى الجنائية تجسِّد العدالة التصالحية، من بين هذه البدائل الوساطة الجنائية، والتي تعتبر وسيلة لفض المنازعات الجنائية، بالتفاوض بين أطراف الدعوى، من خلال الدور الذي يقوم به الوسيط، في محاولة الوصول لحل منهي للنزاع.
وتتميز الوساطة الجنائية بأنها نموذج آخر لتسيير الدعوى الجنائية، وتوصف بأنها بديل للدعوى الجنائية، فهي إجراء إيجابي مقارنةً بالإجراءات التي تتبعها الجهات القضائية؛ ذلك أنها تمنح سلطة تسيير النزاع للأطراف، من خلال فتح المجال للتفاوض والحوار، الذي يمكن من إيجاد سبل جبر الضرر، وبطريقة أخرى إعادة بناء وسط اجتماعي تصالحي، كما تقدم رد فعل اجتماعي في مواجهة الجريمة، مجتنبين ثقل إجراءات المحاكمة التقليدية.
كما أنها تقوم بدور بارز، من خلال استنادها على مبدأ الرضائية، وذلك من خلال إجراء تفاوضي يستلزم اتفاق الأطراف، وإذا كانت العدالة الجنائية التقليدية، تفترض مشاركة إيجابية للمتهم في جميع الإجراءات، فإن العدالة الرضائية تفترض مشاركة إيجابية للمتهم والمجني عليه على حدٍ سواء، وتقوم الوساطة الجنائية على أساس حرية الأطراف، في البحث عن حلٍ ودي للنزاع، أو السير في الإجراءات القضائية العادية