Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
فاعلية برنامج مقترح قائم علي استخدام مدخل الجدل في تنمية الفهم بالسببية التاريخية وبعض مهارات التفكير المنطقي لدي تلاميذ الصف الثاني الإعدادي /
المؤلف
مكي، محمود أحمد.
هيئة الاعداد
باحث / محمود أحمد مكي
مشرف / فكري حــــسن ريان
مشرف / فاطمة حجاجي أحمد
مناقش / فاطمة حجاجي أحمد
الموضوع
التفكير المنطقي.
تاريخ النشر
2018.
عدد الصفحات
422 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
التعليم
تاريخ الإجازة
1/1/2018
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية البنات - المناهج وطرق التدريس
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 427

from 427

المستخلص

لقد أصبح التغير والتطور المتلاحق من أبرز سمات هذا العصر، وقد شمل كل مجالات الحياة سواء ( الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية أو الطبية )؛ إلا أن أكثرها حدة وسرعة كان في المجال العلمي والتكنولوجي، ولذلك يطلق علي العصر الحالي بعصر العلم التكنولوجيا، ففي فترة وجيزة حدثت طفرة في هذا المجال كان لها صدي في جميع المجالات الأخري وخاصة المجال المعرفي.
فقد واكب الثورة العلمية والتكنولوجية في الآونة الأخيرة وخاصة في مجال الإتصالات انفجاراً معرفياً نتج عنه آثار لا حدود لها ( نسرين عبد الغني، 2006، 3- 4)، ففي المجال التربوي أصبح الاهتمام بمستوي التذكر والاستيعاب أمراً غير مقبول في ظل هذا الكم من الحقائق المعرفية مما يتطلب الاهتمام بمهارات التفكير الأكثر ملائمة لمتطلبات العصر، ومن ثم أصبحت المشكلة الأساسية التي تواجه النظم التربوية هي كيفية إكساب مهارات جديدة للنشئ وتعليمهم كيف يفكرون لكي يواكبوا مستحدثات العصر ويسهمون في بناء مستقبل أفضل ( محمود حافظ، 2001، 101).
ويعد التاريخ أحد العلوم الإنسانية التي استفادت من التقدم العلمي والتكنولجي ومن ثم نمت المعرفة التاريخية وأصبح لها قيمتها التربوية التي لا غنى عنها في أية مرحلة من مراحل التعليم، فمن خلال دراسة التاريخ يتعلم التلاميذ كيفية التفكير وإصدار الأحكام والمقارنة والاستنتاج والتحليل والتفسير ( أحمد اللقاني وفارعة حسن، 2003 , 255).
كما يكتسب التلاميذ من دراسة التاريخ المهارات المتنوعة والاتجاهات المرغوبة والخبرات المعرفية والقيم والمفاهيم، وأن دراسة التاريخ تساعد علي تنمية السلوك الظاهر والخفي وتعمل علي تحقيق الذات والمواطنه الفعالة ( فكري ريان، 1999، 58 – 60)، وأيضاً تكسب التلاميذ الوعي بالثقافة التاريخية التي لها أهميتها في تحقيق التكامل المعرفي بين الماضي والحاضر والمستقبل لدي المتعلم.
مما سبق يمكن التوصل إلي أهمية ومكانة التاريخ بين فروع العلوم الإنسانية تلك العلوم التي لا تقل أهمية عن العلوم الطبيعية خاصة في الآونة الأخير حيث اختلاف الآراء والإتجاهات والأفكار مما أدي إلي انتشار الصراعات المتمثلة في عدم قبول وجهات النظر المختلفة وآراء الآخرين وهذا ناتج عن القصور في الوعي بالدروس المستلهمة من التاريخ التي تفيد في فهم وتحليل موقف الآخرين تحليلاً منطقياً في ضوء الخبرة بالتجارب الماضية، ومن هنا يبز الدور الذي يمكن أن يلعبه التاريخ في بناء القدرات العقلية والمنطقية والتحليلية لدي المتعلمين.
ورغم تلك الأهمية لمادة التاريخ إلا أن الممارسات الواقعية في تدريس التاريخ بعيدة عن الأهداف التربوية المرجوة من دراسة تلك المادة وذلك ناتج عن الاهتمام بكم الحقائق التاريخية دون الاهتمام بكيفية تحليلها وتفسيرها ( علاء عبد العظيم، 2001، 5) في ضوء الأدلة والحجج الشاهدة عليها، ومن ثم ليس هناك اهتمام بفهم وتحليل العوامل التي تقف وراء الأسباب التي أدت إلي ظهور الأحداث التاريخية ( سامية المحمدي, 2007)، تلك العوامل التي تتميز بالثبات في الماضي والحاضر والمستقبل، ومن ثم يمكن الاستفادة من دراستها وتحليلها في فهم الماضي والكشف عن غموض الحاضر والتنبؤ بالمستقبل وهو ما يعرف بمفهوم السببية التاريخية.
وتُعرف السببية التاريخية بأنها ” توضيح العلاقة بين الأحداث وبين أسباب حدوثها أو دراسة الأحداث التاريخية من خلال تقديم تحليلات واقعية لتلك الأحداث دون الاكتفاء بسرد الأسباب“ ( سامية المحمدي, 2007، 171)، ويري ( Jannet ) أن السببية التاريخية هي محاولة ايجاد تفسيراً للأحداث التاريخية من خلال تقديمها بأكثر من أسلوب وعرضها بطرق متنوعة (Jannet,2003, 92- 98 )، كما تعرف أيضاً السببية بأنها عملية يتم من خلالها فهم التغيرات في الثقافة الانسانية عبر الزمن ومن خلال فهم تلك التغيرات يتم فهم الأسباب التي تؤدي إلي تلك التغيرات ( Terrence, 2003, 3- 9 ).
وتتمثل أهمية الفهم بالسببية التاريخية في أنها تزويد التلاميذ بأحكام تمكنه من أن يفهم معنى الأحداث الحاضرة أو المستقبلية في ضوء خبرته بالماضي، وكيف يمكن استلهام المستقبل من الماضي والحاضر لأن الزمان يشبه بعضه بعضاً، والحضارات تشبه بضعها بعضاً، ومن ثم يمكن الإستفادة من فهم السببية في فهم الحاضر والمستقبل ( محمد الشارازي، 2005).
كما يؤدي الاهتمام بالسببية التاريخية إلي إبراز العلاقة بين الأحداث وبين أسباب حدوثها وكيف تم حدوثها ومن خلال تحليل تلك العلاقة يمكن تنمية مهارات النقد والتحليل والتفسير وإصدار الأحكام ( عاطف بدوي،2001،251)، وأيضاً أشارت دراسة (Frederick. D. Drak, 1998) أن الفهم بالسببية التاريخية يسهم في تشجع التلاميذ علي البحث عن المصادر التاريخية والإستفادة منها في تدعيم إجاباتهم بالأدلة.
وقد أكدت بعض الدراسات أن الاهتمام بتنمية الفهم بالسببية يسهم في الحد من الصعوبات التي تواجه مناهج التاريخ والمساهمة في تحقيق أهدافها وذلك لما يتميز به الفهم بالسببية التاريخية من خصائص تتمثل في:
- يعمل فهم السببية علي ايجاد تفسيراً للأحداث التاريخية ( Jannet, 2003 )
- يسهم الاهتمام بتنمية الفهم بالسببية في تقريب الاختلاف بين الماضي والحاضر والمسقبل .(Reio, Thomas, J. 2000 ,60- 71)
- أن فهم السببية يسهم في دراسة الظاهرة التاريخية دراسة تحليلية واقعية ( سامية المحمدي 2007 )
- أن الاهتمام بالسببية يساعد علي تدريب التلاميذ علي مهارات النقد والتحليل والتفسير والاستنتاج وإصدار الأحكام ( عاطف بدوي، 2001).
- إن الاهتمام بالسببية التاريخية يؤدي إلي تنمية التفكير وفهم مدي الإختلاف بين الماضي والحاضر والمستقبل (Ride, 2000).
- تنمية الفهم بالسببية التاريخية يعطي الدارس الفرصة للفهم الحقيقي للأحداث التاريخية وتحليل أسبابها ( Moor, 2002).
ويعتمد مفهوم السببية التاريخية علي مجموعة من الأسس (Wiggins,grant,2000,36) ومنها:
- أن السببية التاريخية تهتم بربط الأسباب بالتغيرات في الثقافة الانسانية.
- أن السببية التاريخية تهتم بتفسر الأحداث من خلال الاعتماد علي مصادر متنوعه لتفسيرها.
- أن اهتمام السببية التاريخية ينصب علي تحليل الأسباب والتنبؤ بنتائجها وآثارها المستقبلية.
- أن السببية التاريخية تهتم باستخدام الأسلوب الاستدلالي فيما يتصل بالحقائق التاريخية.
ويري الباحث أنه إذا كان الفهم بالسببية التاريخية يهتم بتحديد العوامل التي تقف وراء أسباب الأحداث التاريخية واستنتاج آثارها فإن التفكير المنطقي يهتم بتطبيق القوانين العامة التي تحكم سير حركة التاريخ علي الأحداث التاريخية المتناثرة للوصول إلي النتائج الخاص لكل حدث من ناحية والبحث في الخصائص المتشابهه لتلك الأحداث للتوصل لنتيجة عامة تساعد علي فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل، ومن خلال استخدام التلاميذ تلك المهارات للفهم بالسببية والتفكير المنطقي تكتمل المعرفة والوعي التاريخي لديهم مما يمكنهم من الاستفادة من دراسة التاريخ في حاضرهم ومستقبلهم.
ويرتبط مفهوم السببية بمفهوم التفكير المنطقي ويتمثل ذلك في وجود علاقة فكرية منطقية استدلالية بين العلة والمعلول ومن هذه العلاقة الارتباطية تنشأ القدرة علي التنبؤ وإدراك العلاقات بين الظواهر وتتبعها (Foster Stuart J & Yeager Elizabeth A, 1999)، ومن مظاهر الارتباط بين المفهومين أيضاً أن التفكير المنطقي قد يؤدي نفس وظائف السببية حيث يسعي إلي بيان الأسباب والعلل التي تكمن وراء الأشياء ومحاولة معرفة النتائج المترتبة عليها وذلك من خلال البحث عن الأدلة والحجج التي تثبت أو تنفي وجهات النظر المختلفة ( ماجدة بوطيبان، 2010، 15)، ومن ثم فهناك عدة محاور للسببية تؤكد ذلك الارتباط( سامية المحمدي, 2007، 3) تتمثل في:
1- السببية الاستقرائية: وتعني التوصل لتفسير للأسباب من خلال الاستقراء من المصادر المختلفة.
2- السببية الاستنتاجية: وتعني التوصل لتفسير للأحداث التاريخية من خلال الإكتشاف من المصادر المعرفية.
3- السببية الاستدلالية: وتعني التوصل لتفسير للأحداث من خلال الاستدلال المنطقي.
ومما سبق فإن العمل علي الإستفادة من دعائم العلاقة بين مفهوم السببية ومفهوم التفكير المنطقي يعد من أهم متطلبات تدريس التاريخ لما له من أهمية للتلاميذ أثناء دراستهم وفي حياتهم المجتمعية خاصة في ظل اختلاف الرؤي والصراعات الفكرية والجدلية التي يشهدها المجتمع في الآونة الأخيرة.
ويُعرف التفكير المنطقي بأنه ” التفكير الذي يهتم بالمبادئ العامة للفكر السليم وتؤدي هذه المبادئ للوصول إلي النتائج الصحيحة وعدم الوقوع في الخطأ ويهدف هذا النوع من التفكير إلي الفهم والاستيعاب واتخاذ القرار والتخطيط وحل المشكلات والحكم علي الأشياء والتخيل ( شيماء عبد العال، 2013، 26)، كما يُعرف التفكير المنطقي بأنه ”عملية عقلية تعبر عن قدرة الفرد علي ايجاد العلاقات بين الأشياء وكذلك القدرة علي الوصول إلي استنتاجات وقياسات منطقية معتمداً في ذلك علي الأدلة ( فايزة محمد، 2009، 13- 14)، ويُعرف أيضاً بأنه ” التفكير الذي يمارس عند محاولة بيان الأسباب والعلل التي تكمن وراء الأشياء وهو أكثر من مجرد تحديد الأسباب أو النتائج إذ أنه يعني الحصول علي أدلة تؤيد أو تثبت وجهة النظر أو تنفيها ( سناء سليمان، 2011، 232).
وللتفكير المنطقي أهمية كبيرة تتمثل في أنه من حاجات الإنسان الأساسية التي تساعده علي التكيف مع المجتمع مما يجعل المواقف الحياتية أكثر منطقية كما يساعد علي البحث عن المعلومات وتصنيفها واستخدامها ( ماجدة بوطيبان، 2010، 14)، كما أشار ( خلف الطحاوي 2009 ) أن تعليم التفكير يعد من الأهداف الرئيسة للتربية، ومن ثم اهتمت الأوساط التربوية بالبحث عن المداخل التي تساعد علي تقديم خبرات تربوية تعمل تحقيق هذا الهدف لدي التلاميذ والحرص علي تدريبهم علي كيف يفكرون وليس فيما يفكرون مع الاهتمام بنشر ثقافة التفكير، ومن ناحية أخري يعد التفكير المنطقي اللبنة الأولي لأنواع التفكير الأخري كما أن تنميته تساعد علي تنمية الأنواع الأخري للتفكير ( رباب طه، 2011, 37).
وتعتبر مهارات التفكير المنطقي ليس فقط متعددة بل هي محل خلاف بين الباحثين فقد أشارت دراسة ( اياد ملحم وابراهيم الكبي، 2006، 9) إلي بعض المهارات للتفكير المنطقي وهي (.الإنتباه والتمييز والملاحظة والتركيب والتنظيم والتصنيف والتحليل والربط والمقارنة والاستنتاج والتوقع واتخاذ القرار ودقة التعبير والتقويم والتخطيط والتأليف)، في حين أشارت دراسة ( أسماء توفيق، 2004، 95- 98) إلي تصنيف آخر لمهارات التفكير المنطقي يتمثل في ( ادراك العلاقات – الاستدلال – الاستنباط – الاستقراء – القياس – الاستنتاج)، ومن خلال تحليل التصنيفين السابقيين يتضح أن التصنيف الثاني أكثر شمولاً من التصنيف الأول حيث أن التصنيف الأول يتضمن مهارات فرعية للتفكير المنطقي في حين يتضمن التصنيف الثاني مهارات رئيسة.
وتتركز العلاقة بين دراسة التاريخ والتفكير المنطقي في أن دراسة التاريخ تستند علي الأدلة المادية في التحقق من صحة الحقائق التاريخية وتستند علي المبادئ المنطقية في التوصل للنتائج المترتبة علي هذا الحدث التاريخي، ومن ثم تسهم دراسة التاريخ في تنمية التحليل المنطقي للأحداث المعاصرة والتعرف علي وجهات النظر المتعددة والآراء المنحازة لها ( علاء عبدالعظيم، 2001،50) وذلك في ضوء المباديء العامة للفكر المنطقي.
ومما سبق تتضح الأهمية التربوية للفهم بالسببية التاريخية والتفكير المنطقي ويتمثل ذلك في نمو الجانب العقلي للمتعلم مما يكسبه القدرة علي مواجهة تحديات العصر واكتساب القدرة علي إعداد السيناريوهات المحتملة للمستقبل.
ورغم تلك الأهمية للفهم بالسببية التاريخية والتفكير المنطقي لدي التلاميذ ورغم حرص المؤسسات التربوية علي تحقيق هذا الهدف إلا أن هناك قصور في تلك المهارات بسبب الممارسات التربوية التقليدية القائمة علي الحفظ والتلقين، فقد أشارت بعض الدراسات السابقة مثل دراسة ( حاتم حسين 2004) ودراسة ( مني عبد الباسط 2007 ) إلي أن الطرق المتبعة في التدريس لا تزال تعتمد على الحفظ والتلقين ومن ثم تهمل المهارات العقلية الأكثر أهمية.
ويعتبر الاهتمام بالمستويات المعرفية الدنيا قضية تربوية ذات طابعاً عالمياً، فقد أكد بلوم أن التعليم عن طريق الحفظ يسود العالم حيث أن أكثر من (90% ) من أسئلة الاختبارات في الولايات المتحدة تقيس فقط استرجاع المعلومات، وفي الوطن العربي مازال يتم نقل المعلومات نقلاً ميكانيكياً ( عبد الله قلي، 2010، 143 – 174)، والأمر في مصر لا يختلف كثيراً مما ترتب علي ذلك أن التلاميذ لا يستطيعون الإجابة عن الأسئلة التي تتضمن مهارات تتعلق بالفهم بالسببية التاريخية أو مهارات التفكير المنطقي، كما أن المتعلمين يصلون إلي المستوي الجامعي وما زال (30 % ) منهم في مرحلة العمليات المحسوسة ( علاء عبد العظيم، 2001، 10).
ومن ثم كان هناك ضرورة إلي استخدام مداخل جديدة يتم فيها الإنتقال من الاهتمام بالمعرفة كهدف في ذاته إلي التأمل في المعرفة وتفسيرها والاستدلال علي أبعادها من خلال البحث والتقصي ( وليم عبيد، 2004، 7).
ومن ثم بدأ في الأوساط التربوية الاهتمام بالرجوع لأصل العلوم وفلسفاتها والأطر النظرية التي تقوم عليها للإستفادة منها في إعداد مداخل لتدريس المناهج الدراسية من خلال رؤية فلسفية تساعد علي تشكيل البناء المعرفي والعقلي للمتعلم ككل متكامل مما يكسبه مهارات التفكير المختلفة، ومن هذا المنطلق اهتمت البحث الحالي بالجدل الحجاجي كمدخل لتحقيق بعض الأهدف التربوية وبصفة خاصة تنمية الفهم بالسببية التاريخية والتفكير المنطقي.
ويُعرف الجدل بأنه ” إدعاء مع براهين وأدلة تساعد الأفراد علي التوصل للحل الصحيح ” Sampson & Clark ,2008 ))، كما عرف ( Harlow & Kotero ,2009) الجدل بأنه ” دراسة وجهات نظر مختلفة من أجل التوصل إلي فهم مشترك للظاهرة ”.
ومدخل الجدل الحجاجي يجمع بين مفهومي الجدل والحجاج لكل منهما خصائصه التربوية وبناء علي ذلك فإن إثراء المدخل الجدلي بالأساليب الحجاجية المتنوعة يجعل من مدخل الجدل أكثر أهمية في الميدان التربوي خاصة وأن الأساليب الحجاجية متعددة المقومات للكيفية التي يجب علي المرأ الإلتزام بها حتي يدرك النتائج المأموله عبر الاستنتاجات المنطقية (سيد حسن الجرن،2012, 17)، ومن ثم فإن الربط بينهما يزيد من الأهمية التربوية لكل منهما، ومن هذا المنطلق حرص البحث الحالي علي استخدام مفهوم الجدل الحجاجي تميزاً عن الأنواع الأخري للجدل كالجدل لاالعلمي والجدل التجريبي.
وتتمثل أهميته التربوية لمدخل الجدل الحجاجي في أنه من الدعائم التربوية الأساسية حيث يساعد علي نمو التحليل العقلي وحل المنازعات والصراعات وعمل نوع من التحدي لمواجهة المشكلات ( محمد العبد، 2011، 3)، كما يؤكد الجدل الحجاجي علي دور المتعلم في العملية التعليمية وعلي النشاط الفعال للمتعلم من خلال السعي لايجاد حلول للمشكلات والقضايا التاريخية في ضوء الأدلة والبراهين المنطقية ( فاطمة حجاجي، 2012، 4).
ومن تلك الأهمية تنبع وظيفة الجدل الحجاجي Bricher, M. Bell, 2008) ) والتي تتمثل في الإقناع والتأثير في الآخرين مما يساعد علي تقبل المعلومات، ومن ثم ويؤدي الي تحسين عملية التعليم والتفكير بأنواعه المختلفة لدي الطلاب (محمد الديب، 2003، 3).
ومن مميزات استخدام الجدل الحجاجي في العملية التعليمية أنه:
- يساعد المتعلم علي أن يكون له دور ويكون له صوت في عملية التعلم (Duschl, etal, 2007 ).
- يسهم في توسيع المعارف لدي المتعلم وإزالة الفهم الغامض (Cross , etal, 2008 ).
- طريقة فعالة للتعلم حيث أن المتعلم يتعلم ليجادل ويجادل ليتعلم ( Briker, M Bell, 2008 ).
- يؤدي إلي زيادة النمو المعرفي وتنمية القدرة علي التفكير المنطقي ( يسري عثمان، 2008, 39).
- يعمل علي إقناع السامع بجواب منطقي شافي خاصة حين تتعدد الأسئلة وتختلف وجهات النظر فلابد هنا من جواب مقنع يرضي السامع (Meyer, Michel , 2005 , 15 )، ومن هنا يحدث التعلم.
ويرتبط مدخل الجدل الحجاجي بتدريس التاريخ حيث أن طبيعة الحقائق التاريخية تنطوي علي الآراء واختلاف وجهات النظر والتفسيرات المتباينة لذا يعد استخدام الجدل القائم علي الاستدلال بشقيه الاستقراء والاستنباط أمراً ذو أهمية في فهم وتفسير التاريخ، ومن ناحية أخري تعتبر القضايا التاريخية بحكم طبيعتها قضايا إنسانية لاتخضع للتجريب فهي موضع جدل ولذا كان من الضروري تناولها بالحجج التي تساعد علي الاقناع بصدقها.
وإذا كان التاريخ يتعرض لكثير من الآراء الزائفة وما ينتج عنها من استنتاجات مضللة فإن ذلك يتطلب تناول تدريس التاريخ بالأدلة والحجج المنطقية لانتقاء الحقائق التاريخية من الآراء المزيفة ( طريفة شوقي، 2006، 6)، مما يساعد علي تفسير وتحليل الأحداث التاريخية والتوصل لنتائجها، ويساعد أيضاً علي تناول القضايا التاريخية بطريقة مترابطة ومتكاملة مما ينمي النظرة الشولية لسير الأحداث التاريخية، ونتيجة لتلك العلاقة بين مدخل الجدل ودراسة التاريخ أكدت دراسة Kuhn, 2010) ) علي أهمية استخدام الحوار الجدلي في دراسة التاريخ من خلال تقديم الأدلة والبراهين Klum,D. 2010 ,81 – 82 ) ).
ونتيجة لارتباط مدخل الجدل الحجاجي بدراسة التاريخ فإنه يرتبط حتماً بمفهوم السببية التاريخية لأنها مبحث أساسي في دراسة التاريخ، فقد أكدت دراسة ( Perrone 2001 ) أن هناك تأثير متبادل بين طريقة التدريس القائمه علي الحوار والمناقشة والجدل من ناحية واستنتاج الأسباب المباشرة والأسباب البعيدة من ناحية أخري Perrone, Vito , Ed.2001 p.384)).
وهذا الارتباط بين الجدل والسببية يقوم علي أساس متبادل فلا فهم للسببية بدون استخدام الجدل ولا جدل بدون اللجوء إلي السببية، فعندما يحاول المتعلم ادراك العلاقة بين الأدلة والإدعاءات تنضج لديه مهارات التفسير والتحليل, وعندما يحول المتعلم تبرير أدلته يلجأ لاستخدام مهارات السببية، ومن ثم فان هناك علاقة تبادلية تنموية بين الجدل والفهم بالسببية فكلاهما يؤدي إلي تنمية الآخر.
ومن هنا فإن استخدام الجدل الحجاجي في العملية التعليمية وخاصة مادة التايخ يساعد علي فهم الأسباب وينمي المهارات المرتبطة بالتفسير( محرم يحيي، 2015, 184)، كما أن استخدام السببية يعتمد علي الاستدلال ويتم ذلك من خلال جمع المعومات من مصادرها واستنتاج الحقائق والتوصل إلي أسبابها والنتائج المترتبة عليها(Wiggins, grant, 2000 , 36 – 40) .
كما يرتبط المدخل الجدلي أيضاً بمهارات التفكير المنطقي حيث يساعد اكتساب تلك المهارات علي تفنيد حجج الطرف الأخر بالأدلة والبراهين الاستدلالية الواقعية وحثه علي التخلي عنها والدفاع عن آرائه بالحج لاقناع الطرف الآخر ( طريفة شوقي، 2006، 20)، هذا من ناحية ومن ناحية أخري فإن الجدل أنواع منها ما هو استدلالي ومنها ما هو استقرائي، فالجدل الاستدلالي يعتمد علي مهارة الاستدلال في إثبات الأراء والإدعاءات وذلك من خلال تطبيق قاعدة عامة علي حالات فردية, أما الجدل الاستقرائي فهو عبارة عن عملية منطقية يتم من خلالها ربط الحالات الفردية للوصول إلي قاعدة عامة وهو بذلك عنصر أساسي في البناء الجدلي ( محمد العبد، 2011, 6).
والجدل سواء إن كان من طرف واحد أو كان متبادلاً فهو يتضمن الاستدلال والاستقراء وغيرها من المهارات المنطقية والعقلية ( Kuhn, 2010 )، ولذلك فإن تكرار المواقف الجدلية والمحاورات قد تؤدي إلي ادراك الفرد لوجهة نظر الآخرين وبالتالي يؤدي الي زيادة النمو المعرفي ونمو مهارات التفكير المنطقي ( محمد الديب، 2003، 247)، ومن هنا فأن البحث الحالي يفترض أنه يمكن أن يكون للجدل الحجاجي دور فعال في تنمية مهارات التفكير المنطقي وهذا ما يهف البحث الحالي للتحقق منه.
ورغم تلك الأهمية للجدل الحجاجي ورغم إرتباطه بدراسة التاريخ وبمفهوم السببية التاريخية ورغم إرتباطه بمهارات التفكير المنطقي إلا أن هناك إهمال في استخدامه في الميدان التربوي فقد أكدت دراسة ( نهلة سيف الدين 2009 ) علي أن طلاب معظم الصفوف الدراسية يعانون من الضعف في مهارات الحجاج ويتمثل هذا الضعف في انخفاض مستوي الطلاب في فهم وتفسير القضايا الجدلية.
ومن خلال العرض السابق تتضح أهمية الاهتمام بتنمية الفهم بالسببية التاريخية وتنمية مهارات التفكير المنطقي والتي أكدت عليها الدراسات السابقة، كما يتضح دور مدخل الجدل الحجاجي في تحقيق عديد من الأهداف التربوية.
مشكلة البحث:
أولاً - الإحساس بالمشكلة:
( أ ) نبع الاحساس بالمشكلة من خلال خبرة الباحث الميدانية حيث لاحظ أثناء قيامه بتصحيح كراسات الإجابة لعدد كبير من التلاميذ تضمنت بعض الأسئلة المتعلقة بالسببية التاريخية والتفكير المنطقي ( عدم قدرة التلاميذ علي التوصل لنتيجة عامة أو اشتقاق بعض الحقائق المتعلقة بمبدأ عام أو إدراك العلاقة بين الأسباب والنتائج وليس لديهم قدرة علي فهم العوامل التي تؤثر علي سير الأحداث التاريخية أو تفسيرها وغير ذلك من المهارات التي ينبغي أن يكتسبها التلاميذ في تلك المرحلة ).
( ب ) وبالإضافة لما سبق فقد تأكد الإحساس بالمشكلة من خلال الإطلاع على بعض الدراسات السابقة العربية والأجنبة ذات الصلة بموضوع البحث والتي سبق الإشارة إليها، مثل دراسة كلاً من (( Beller,S. & Spada,- H. 2002 ودراسة (Moor, 2002) ودراسة ( سامية المحمدي 2007) ودراسة ( نهلة سيف الدين 2009) ودراسةKuhn, 2010) )، دراسة ( أسماء الحضرمية وعبدالله أبوسعيدي، 2012 ) ودراسة ( مني العفيفية، وعبدالله أمبوسعيدي، 2014)، وقد أوصت تلك الدراسات:
• بضرورة الاهتمام بتنمية الفهم بالسببية التاريخية حيث يعد تنميتها الركيزة الأساسية لتنمية مهارات التفكير العليا.
• بضرورة الاهتمام بتنمية مهارات التفكير المنطقي لدي التلاميذ وخاصة المرحلة الإعدادية حيث يتم في تلك المرحلة النضج العقلي للتفكير المنطقي.
• ضرورة تفعيل مدخل الجدل في التدريس لأهميته في تحقيق عديد من الأهداف التربوية.
( ج ) تدعيم الإحساس بالمشكلة:
ولتدعيم الإحساس بالمشكلة قام الباحث بإجراء دراسة استطلاعية بهدف التعرف علي درجة نمو مهارات الفهم بالسببية التاريخية ومهارات التفكير المنطقي لدي تلاميذ الصف الثاني الإعدادي والجدول التالي يلخص نتائج تلك الدراسة.