Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
دور الأمويين في دعم ورعاية العلوم الدينية في المشرق الإسلامي (41 – 132هـ/ 661 – 750م) :
المؤلف
رشدان، يوسف راشد.
هيئة الاعداد
باحث / يوسف راشد رشدان
مشرف / محمد سيد كامل محمد
مشرف / أحمد عبد السلام ناصف
مناقش / حمدي عبد المنعم حسين
مناقش / أحمد توني عبد اللطيف
الموضوع
العالم العربى - تاريخ - العصر الأموى.
تاريخ النشر
2019.
عدد الصفحات
207 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
1/1/2019
مكان الإجازة
جامعة المنيا - كلية دار العلوم - التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 206

from 206

المستخلص

وبعد أن انتهى الباحث من خوض غمار دراسته وجب علينا أن نستعرض بعض النتائج المهمة التي توصلت إليها الدراسة، فقد كانت العلوم الدينية إحدى أهم المناحي التي اهتم بها الأمويون فظهر جليًا اهتمام الأمويين بعلوم القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه، لقد كانت الدولة الأموية التي تمخضت عن صراعات سياسية ومذهبية وقبلية تبحث لنفسها دائمًا عن صيغة تدعم حكمها في نفوس وقلوب رعاياها، ولما كانت العلوم الدينية هي البوابة الأهم لقلوب الناس لارتباطها بالدين ولدورها في تدعيم الدين الإسلامي في نفوس وقلوب العناصر السكانية في الدولة.
لقد قامت الدولة الأموية بحركة دعم ضخمة للعلوم الدينية سواء عن طريق دعم المؤسسات الراعية لهذه العلوم، أو عن طريق ضخ تمويل ودعم لتسهيل نقل ودراسة هذه العلوم، مما ساعد على انتشار هذه العلوم في شتى أنحاء العالم الإسلامي، أضف إلى ذلك ما أبدته السلطة الأموية من احترام بالغ وامتيازات ضخمة للفقهاء وعلماء الدين الذين أخذوا على عاتقهم مهمة نشر والقيام بأعباء هذه العلوم.
وهكذا عاشت علوم القراءات التفسير والفقه والحديث عصرًا ذهبيًّا إبان الحكم الأموي الذي وفر مناخًا مناسبًا جدًّا لرعاية هذه العلوم فضلًا عن رعاية القائمين عليها وهو ما يقدم صورة مسكوتًا عنها لتاريخ الدولة الأموية الذي طالته أيادي التشويه والتحريف.
كما ظهر بشكل واضح أيضًا دور الموالي في هذه النهضة الفكرية وهو ما ينفي فكرة التخاصم التام بين الأمويين والموالي بل إن النصوص التي توصل إليها الباحث أثبتت أن ثمة تعاونًا قويًّا بين الأمويين والموالي في هذه النهضة التشريعية، وتحديدًا إبان خلافة الخليفة عمر بن عبد العزيز، وصارت لهم مكانة بارزة في هذا الإطار، ويرجع نبوغ الموالي في العلم إلى إنه بتوالي الفتوحات الإسلامية، دخل الموالي من أمم كثيرة في الملة الإسلامية، وصار هناك عنصران في الدولة الإسلامية، العنصر العربي والعنصر الأعجمي، وكان أكثر حملة العلم في عصر الصحابة من العرب، لأن أكثر الصحابة كانوا عربًا، وقد استكثر الصحابة من الموالي في بيوتهم وفي أعمالهم، فإذا كان الصحابي عالمًا فمواليه أعوانه وتلاميذه في العلم، ومتى كان عندهم حسن استعداد نبغوا فيه بحكم مخالطتهم لسادتهم.
وقد كانت محصلة دعم العلوم الدينية أن وجدت طبقة من الفقهاء لهم دورًا سياسيًّا وفكريًّا كبيرًا كما كان لهم الفضل في نجاح الحكام الأمويين في قيادة الدولة آنذاك، ولولا وقوف بعض الفقهاء بل أغلبهم إلى جانب الحكام، لما بقي واحد منهم يحكم الدولة الإسلامية لمدة طويلة، وإنما كان هذا النجاح الأموي بسبب فتاوى رجال الدين، وسكوتهم عن الأمور التي تحمل في طياتها الظلم والجور على المجتمع الإسلامي، حتى الذين خرجوا على الدولة الأموية لم يسلموا من لسان الفقهاء.
كما رصد الباحث أيضًا جدلية العلاقة بين علماء الدين والدولة الأموية من حيث إقرار الفقهاء بالحكم الأموي ومدى ما أسبغوه من شرعية، فضلًا عن تبني العديد من رجال الدين المواقف السياسية للخلفاء الأمويين فأدلوا بدلوهم في مختلف الأمور السياسية وشكل العديد منهم عقبة مهمة فى وجه حركة المعارضة للحكم الأموي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تولى العديد منهم الوظائف الإدارية في الجهاز الإداري بل وفي البلاط الأموي نفسه، كما رصدت الدراسة نماذج من هذه العلاقات مثل علماء مكة والمدينة، وعلماء العراق، وعلماء الشام، وأثر هذه العلاقات في دعم الشرعية الأموية، ورغم ذلك فلم يخلُ الأمر من رجال دين شكلوا صداعًا مزمنًا في رأس السلطة الأموية فشكلوا معارضة ذات ثقل وقفت في وجه الأمويين في مقابل علماء دين آخرين دعموا السلطة وشكلوا ظهيرًا قويًّا لها.
وتوصلت الدراسة إلى نتائج مهمة تتعلق بالمؤسسات الرئيسة للعلوم الدينية في الدولة الأموية وكذا دور المسجد والكتاب والبلاط الأموي، وكيف تم توظيف المنبر في المعارضة السياسية، واتضح أن مؤسسة البلاط الأموي كانت واحدة من أهم مؤسسات دعم العلوم الدينية، ودعم العلوم الدينية هنا لا يعني فقط الدفع بكل ماهو ديني، بل وتوفير المناخ المناسب لذلك، والأدوات المناسبة لذلك، والدعم والتمويل، وفي الحقيقة فإن العلوم الدينية قد اقترنت في العصر الأموي بحركة التدوين، تلك الحركة التي نشطت حركة التدوين والتأليف كثيرًا في العصر الأموي(41-132هـ/661-749 م )، فقد حفل عصرهم بالعديد من العلماء الذين أثروا عصرهم بالمؤلفات في مختلف المجالات تدوينًا وتأليفًا ونقلًا.
كما ازدهرت الأوقاف في العصر الأموي ازدهارًا عظيمًا، وذلك في مصر والشام وغيرهما من البلاد المفتوحة، وذلك بسبب كثرة الأموال التي تحصّل عليها المجاهدون من الفتوحات الإسلامية، وكان من ثمار ذلك، أن اتسعت مجالات الوقف في ذلك العصر. فلم يعد الوقف قاصرًا على جهات الفقراء والمساكين فقط بل تعدى ذلك إلى بناء دور العلم والإنفاق على طلاب العلم، وإنشاء المساجد والدور الخيرية، وقد أدى إقبال الناس على الوقف والاهتمام به، إلى إنشاء هيئات تتولى الإشراف عليه، وتتولى مصالحه، وقد كانت الأوقاف في بادىء الأمر تدار من قبل الواقفين، أو ممن يوكلون إليه إدارتها والقيام بمصالحها، إلا أن كثرة الأوقاف وتنوعها، استدعى ذلك أن تقوم بعض الأجهزة بالاهتمام بالأوقاف.
لقد اكتشفت الدراسة كيف قامت السياسة بدور محوري في نشأة وتطور المذاهب الإسلامية، اعتقادًا وفقهًا، ويمكن أن نعتبر ”أن معظم الفرق التي ظهرت في الإسلام يرجع أصلها في المقام الأول إلى أسباب سياسية تتصل بالسياسة، والتنازع على الحكم”وبالتالي فإن الاختلاف في العقائد النظرية نشأ في علم الكلام بكيفية عرضية نتيجة الاختلاف في الأمور السياسية، ومشكلاتها العملية فهو بالفعل موقف كلامي، ولكنه كلام في السياسة، وفي الكبائر السياسية، وفي أحيان أخرى كانت السياسة الأموية لها دورها في تصفية المعارضين لها سياسيًّا بدعوى الخوض في البدع والضلالات، فلم تزدهر حركة القدرية عند غيلان الدمشقي وأتباعه، ولم تزدهر حركة الجهمية كفرقة إسلامية تميل إلى الجبر، وتم تصفية جعد بن درهم وجهم بن صفوان ومعظم أقطاب الحركة الذين كانوا يقفون ضد الدولة الأموية، ورغم تشدد بعض سياسات الدولة الأموية فقد تميزت في بعض الأحيان بالمرونة والسماح للعلويين بالمشاركة في الحركة العلمية.
أما القضية الأبرز التي توصلت لها الدراسة فقد تمثلت في دوافع اهتمام الأمويين بدعم ورعاية العلوم الدينية، وفي الحقيقة فإن العامل السياسي كان بارزًا بوضوح في هذا السياق، فقد ولدت الدولة الأموية في ظروف صعبة،واستمرت هذه الظروف على مدار تاريخ هذه الدولة، فصعوبات جمة اقترنت بظهور الفرق الإسلامية مثل الشيعة والخوارج والإباضية كان ذلك دافعًا أصيلًا من دوافع ضرورة إيجاد ظهير ودعم قوي ولم يكن هناك أفضل من رجال الدين المشمولين بالرعاية، وكذا أيضًا محاولة إيجاد صورة واضحة لفقيه السلطة في مواجهة الأفكار الدينية المعارضة.
وفي الحقيقة فلم يكن دعم العلوم الدينية اختيارًا أو رفاهية من السلطة الأموية، ففي بعض الأحيان كان من الضروري تجييش فقهاء ومتكلمين جاهزين للدفاع الفكري والديني في ظل عصر ماج بظهور فرق دينية معارضة، لجأ بعضها للعنف ولجأ بعضها الآخر لتكفير السلطة، وهنا تحول دعم العلوم الدينية من الوازع الديني لوازع سياسي، وخصوصًا وأن الدولة الأموية غيرت الكثير من المفاهيم السياسية، بدءًا من معاوية بن أبي سفيان الذي قام بتغيير جذري في شكل السلطة، وهنا كان لزامًا على الدولة أن تتسلح بجيش من الفقهاء والمتكلمين، كما تسلحت بجيش من المجاهدين والمقاتلين.
كان الأمويون يوظفون مفاهيم القدر والجبر في تسويغ هذا الأمر فقد روي عن معاوية أنه قال في بعض خطبه ”لو لم يرني ربي أهلًا لهذا الأمر ما تركني وإياه، ولو كره الله ما نحن فيه لغيره، وهذا صريح الجبر، وكان يقول أنا عامل من عمال الله أعطي ما أعطى الله، وأمنع ما منعه الله ”لقد مال الأمويون إلى مذهب الجبر وعولوا عليه لإثبات حقهم في الخلافة، وتعلقوا به لتصحيح اختيارهم لها، فقد استقروا على أن الله اختارهم للخلافة وآتاهم الملك، وأنهم يحكمون بإرادته، ويتصرفون بمشيئته، ولذا أحاطوا خلافتهم بهالة من القداسة، وأسبغوا علي أنفسهم كثيرًا من الصفات الدينية إذْ كان معاوية بن أبي سفيان في نظر الأمويين خليفة الله في الأرض.
ووظف الأمويون عقيدة القدر والجبر في تسويغ أمر ولاية العهد، وعولوا عليها في تسكين أمر المعارضة السياسية، ففي رد معاوية على المعارضين لتولي أمر يزيد الخلافة قال لهم: ”إنما هو الملك يؤتيه الله من يشاء، وأن أمر يزيد قضاء من الله، وليس للعباد الخيرة من أمرهم.
هذه كانت خلاصة هذا البحث وفي النهاية فليس أنسب من كلمات الذكر الحكيم :
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.