الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص شك في أن البلاغة من أجلّ العلومِ العربيَّة وأعظمها , وأحقّها بالتعلُّم , بعد كتاب الله عزّ وجَلّ ؛ فبها نَقِفُ على إعجازِ القُرْآنِ الكريم ، وحُسن براعته ونَصَاعته , ونَتَبَيَّنُ عَجْز العرب عن الإتيان بِمِثْلِهِ . والتحليلَ البلاغيَّ لكلِّ باب من أبواب البلاغة كَشْفٌ عن جوانب المعنى ؛ فبه نَعْرِفُ – بِجَلاءٍ - جمال الألفاظ وجلال المعاني ، وهو من أعظم مظاهر انسجام النص القرآنيّ , وتَمَاسُك بُنْيَانِهِ , وإحكام آياته , وتَنَاسُب أجزائه , به تتجلى لطائف الصلات ودقائق المناسبات , وتظهر الصلة بين العبارات والآيات , وتبدو قُوَّة التلازُم بين بداية الآية ، وما تحتويه من المعاني , فاللغة في البلاغة ليست مقصودة لذاتها , وإنما هي مدخل للنفاذ إلى المعاني , والكشف عن حركتها ، وذاك هو المقصود . ويتعلق مُصْطَلَحَي : (بناء المعاني , علاقات المعاني) بدراسة السورة القرآنية في بناءٍ واحد ، والبحث عن الروابط الداخليَّة للنص القرآنيّ , وذلك بترتيب الآيات والموضوعات في نَسَقٍ واحد من مطلع الآيات لخاتمتها ؛ للوصول إلى المقصد العامّ للسورة , وتحديد موضوعاتها الفرعيَّة , وإبراز تماسُك معانيها وموضوعاتها , وترتيبها على بعضها , وذلك بالنظر إلى العلاقات المُكونة للسُّورَة , وارتباط المقطع بالسياق , وبيان الوشائج التي تربط الكلمات بعضها ببعض , وكيف اتصل الثاني منها بالأول , والأول بما قبله , ومُرَاعَاة العلاقات - بين تلك المعاني – سواء أكانت داخليةً في السورة نفسها كعلاقة المطلع بالخاتمة , أم خارجية كعلاقة السورة بما قبلها وما بعدها . فلكل سورة هدف محوري وغرض بارز يُطلق عليه المقصد العام للسورة , ترجع إليه سائر الأغراض التي تفرعت منه . وقد وَرَدَ للسورة الكريمة عدة أسماء ، منها : سورة (المُجَادلة) بفتح الدال وكسرها , وسورة (الظِّهَار) , وسورة (قد سَمِعَ) . المقصد الرئيس لسورة المجادلة هو بَيَان ما ينبغي أَنْ يَتَّصِفَ به المسلمُ الحقّ , وتصحيح عقيدته في أموره المختلفة فردية كانت أو جماعية , وذلك من خلال أحداث أُخِذَتْ من واقع المجتمع المَدَنِيّ الإسلاميّ . لقد تعددت موضوعات السورة وأهدافها الفرعية ، ومنها : الأهداف الإيمانية (مراقبة الله تعالى في السر والعلن - معرفة سَعَة عِلْمِه ورحمته وعفوه - تأكيد شِدَّة بأسه وعقابه) , والأهداف الاجتماعية ، ومنها : الأُخُوَّة في الدين . ولا نستطيعُ أنْ نُنْكِرَ أنَّ سورة المجادلة أولها ذِكْر سَمَاع الله تعالى لتلك المرأة , وفي خاتمتها يذكر تعالى مَنْ هُمْ أولياؤه الذين يَشْمَلَهُمْ برضاه وعفوه . يُرَكِّزُ مَوضُوع البَحْث (بِنَاءُ المَعَانِي وَعَلاقَاتُهَا فِي سُورَةِ المُجَادَلَة ؛ دِرَاسَةٌ بَلاغِيَّةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ) على ترتيب الأفكار والموضوعات في سورة المُجَادَلَةِ في بناءٍ واحد , ووجه اتصالها وترابطها , وتَوَلُّد بعضُهَا مِنْ بَعْض , وتوزيعها بين ما هو أساسي وما هو فرعيّ ؛ لتحقيق المقصد الرئيس الذي جاءت السورة من أجله , ولذلك نَدْرُسُ السُّورَةَ في بناءٍ واحدٍ مُحْكَم البُنْيَان ، تُمَثِّلُ الآياتُ أجزاءَ ذلك البنيان ولَبَنَاته . وللوصول إلى هذا التَّسَلْسُل لا بُدَّ من الوقوف مع السورة الكريمة , من حيث اسمها ، والربط بين موضوعاتها . ويتعين معرفة مقصد السورة ، الذي ترجع إليه معاني السورة ومضامينها ، وكذلك بداية السورة ومطلعها ؛ فقد يكون مطلع السورة مِفْتَاحًا لمعرفة مَقْصِدِهَا . ومن الضروري دراسة ما في السورة من وُجُوهٍ بلاغيَّة , ولِمَا جاءت على هذا النَّظْمِ دُونَ غَيرِهِ , والعِلَّة من مجيئها بالأسلوب الذي جاءت عليه ؛ لتحديد الأغراض الرئيسة عن طريق تحديد الآيات التي تدور حول فكرة بارزة , والبحث عن امتداد تلك الأفكار في السورة , ثم الوقوف على علاقات المعاني في السورة ، وكيفية بنائها ، وربط ذلك بأسباب النزول وزمانه أو مكانه , وموقع وترتيب السورة في الكتاب المجيد ؛ فَسُوَر القرآن الكريم يُكَمِّل بعضُهَا بعضًا ، ويترتب بعضُهَا على بعض . يهدف البحث إلى الكشف عن وجوه الإعجاز القرآني وأسرار النظم في سورة المجادلة , والوقوف على أسلوب القرآن الكريم في التربية الإيمانية , وتَتَبُّع معالم بناء المعاني في سورة المجادلة بِوَصْفِهَا وَحْدَةً وَاحِدَة , وكذلك دراسة عَلاقات المعاني في سورة المجادلة ، دون غيرها من السُّوَر . جاءت الرسالة في تمهيدٍ وثلاثة فصول ، وتناول التَّمهيدُ : مصطلح (بِنَاء المَعَانِي) ، ومُصْطَلَحاتٌ تَلْتَقِي مَعَ مُصْطَلَح (بِنَاء المَعَانِي) ، ومُصْطَلَح (عَلاقَات المَعَانِي) ، ومَدْخَلٌ إِلَى سُورَةِ المُجَادَلَةِ . جاء الفصل الأول بعنوان (مَعَالِمُ بِنَاءِ المَعَانِي فِي السُّورَةِ القُرْآنِيَّةِ) ، وانقسم إلى سِتَّة مباحث : المبحث الأول : حُكْمُ الظِّهَارِ , وَكَفَّارَتُهُ ، والمبحث الثاني : حُكْمُ المُحَادِّينَ للهِ تَعَالَى ، والمَبْحَثُ الثالث : آدَابُ المُنَاجَاةِ ، والمَبْحَثُ الرابع : آدَابُ المَجَالِسِ ، والمَبْحَثُ الخامس : مُوَالاةُ غَيرِ المُؤْمِنِينَ ، والمَبْحَثُ السَّادِسُ : التَّبْشِيرُ بِالنَّصْرِ لِلمُؤْمِنِينَ . عَرَضَ الفصلُ الثاني (عَلاقَاتُ المَعَانِي فِي السُّورَةِ القُرْآنِيَّةِ) ، وانقسم إلى ثلاثة مباحث : المَبْحَثُ الأَوَّلُ : عَلاقَاتُ المَعَانِي بَينَ سُورَتَي : المُجَادَلَة وَالحَدِيد ، والمَبْحَثُ الثَّانِي : عَلاقَاتُ المَعَانِي بَينَ سُورَتَي : المُجَادَلَة وَالحَشْر ، والمَبْحَثُ الثَّالِثُ : عَلاقَاتُ المَعَانِي بَينَ مَطْلَعِ سُورَةِ المُجَادَلَةِ وخَاتمتِهَا . جاء الفصل الثالث والأخير بعنوان (التَّكْوِينُ البَلاغِيُّ للسُّورَةِ القُرْآنِيَّةِ) ، وضم ثلاثة مباحث : المَبْحَثُ الأَوَّلُ : مَبَاحِثُ فِي عِلْمِ المَعَانِي ، والمَبْحَثُ الثَّانِي : مَبَاحِثُ فِي عِلْمِ البَيَانِ ، والمَبْحَثُ الثالث : مَبَاحِثُ فِي عِلْمِ البَديع . ثُمَّ الخاتمة الَّتي تتضمَّن أهم النَّتائِج ، وقائمة المصادر والمراجع ، ومُحتوى الرِّسالة . اعتمدت الرسالة على المنهجَ الوصفي التحليليّ ، الذي يساعد على التَّتَبُّع الدقيق للظواهر البلاغيَّة في النص وتصنيفها وتقسيمها ، ثم تحليل تلك الظواهر وتعليلها وربطها بالسياق والغاية ؛ للتوصل إلى مقاصدها وأهدافها وأغراضها , وكذلك الكشف عن العلاقات بين الموضوعات والآيات . |