![]() | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص تشغل العقود الدولية للبناء والتشييد أهمية خاصة ترجع في الأساس إلى كونها تقود قاطرة التنمية في قطاع عريض من الأنشطة الاقتصادية, بل يعد انتعاش هذه الصناعة بصفة عامة مؤشرًا جيدًا على التحرك الإيجابي للاقتصاد القومي نحو النمو. إلا أن ثمة خصائص عدة لتلك العقود انعكست بآثارها الكثيفة على آليات حسم منازعاتها, أهمها طول مدة تنفيذها الذي قد يمتد إلى عدة سنوات, كما أنها عقود مركبة متعددة الأطراف ومتشابكة العلاقات حيث يتطلب إنجازها إبرام سلسلة من التعاقدات المتداخلة سواء فيما يتعلق بمظاهرها الفنية أو القانونية, بالإضافة إلى كثرة المخاطر التي تحيط بها. وعلى ذلك أضحت هذه العقود وما يتصل بها من معاملات مجالاً خصبًا لنشوب المنازعات, بل ليس من المبالغة ما قرره بعض الفقه من حتمية المنازعات الناشئة عن تلك العقود, حتى أصبحت هذه المنازعات إحدى الحقائق التي لا يمكن تجنبها مهما بلغ الجهد المبذول ومهما حسنت النوايا, وأن ما يحتاج إليه الأطراف في هذه العقود هو البحث عن آلية فعالة لتسوية تلك المنازعات, تتناسب مع طبيعتها الخاصة, وتنأى بها عن ساحات القضاء, وعلى ضوء ذلك اتجه المتنازعون في دول العالم الصناعي إلى أنظمة بديلة لتفادي تعقيدات طرق التقاضي التقليدية وتجنب إهدار الوقت والجهد والمال. وقد كان التحكيم هو السبيل إلى ذلك, ولم يكن التحكيم بدعًا من القضاء، بل هو أصل القضاء، نشأ وارتدى ثوبه القشيب قبل أن يوجد القضاء المنظم من قبل السلطة الحاكمة, حتى استقرت فكرة التحكيم في أذهان الناس وألفوا الالتجاء إليها إلى أن أصبحت عادة أصيلة في نفوسهم. وعلى الرغم من اعترافنا بالأهمية العملية للتحكيم في تسوية منازعات العقود الدولية للبناء والتشييد؛ بيد أنه لم يسلم من النقد, سواء من ناحية ما يعتري تطبيقه من صعوبات ناشئة في الأساس من انعكاس الطبيعة الخاصة لتلك العقود, أو من ناحية ما يتطلبه من تكلفة باهظة وخاصة في ظل الأجور المرتفعة للمحكمين والمترجمين والخبراء |