Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
صورة الجسد في الأمثال الشعبية: بحث في الأنثروبولوجيا الثقافية
الناشر
أمنية محسن عبد العظيم محمد
المؤلف
محمد، أمنية محسن عبد العظيم
الموضوع
الأنثروبولوجيا الثقافية
تاريخ النشر
2007
عدد الصفحات
178ص
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 165

from 165

المستخلص

أهمُّ النتائج
توضح الأمثال الشعبية مكانة كل عضو من أعضاء الجسد؛ طبقًا لرؤية كل ثقافة؛ يوجد تشابه في المضامين والموضوعات فهي موجودة لدى كل الشعوب، فالأمثال في كل مكان وزمان واحدة في جوهرها، إنسانية في طابعها؛ فهي تتميز بالانتشار الثقافي؛ فالمثل فالمثل من أكثر عناصر الثقافة الشعبية ثراء في اللغة ويعبر عن نتاج تجربة شعبية طويلة تلخص عِبرًا وحِكَمًا؛ وعليه يكون المثل معبرًا عن عادات الشعوب، وأسلوب معيشتهم، ومعتقداتهم، ومعاييرهم، وأخلاقهم.
إن سلوك الجسد الإنساني يكمن في العلاقة الارتباطية بين العقل والجسد. وبهما يستطيع الإنسان أن يبحث ويكتشف معاني للجسد ولغته، وكيفية تعلم وفهم واكتساب هذه اللغة. ومن خلال الحواس وأداء بعض الحركات التعبيرية؛ كالإيماءات، والإيحاءات، والإشارات، فالرموز تحمل الكثير من المعاني الحسية، السمعية، والشفاهية، والكتابية، وكل ما يحيط بالجسد من عواملَ ماديةٍِِِِِِ ولا مادية كل ذلك يدفعه نحو التعبير عن الذات والمجتمع.
تعتمد الدراسة الأنثروبولوجية للجسد والأمثال الشعبية على مجموعة المحددات والملامح الثقافية التي تختلف من مجتمع لآخر، ويعتمد في دراسة الجسد على تحليله في ضوء ارتباطه بالعناصر الثقافية السائدة في المجتمع دون الاهتمام بتحليل هذه العناصر والسمات التي ترتبط ببناء المجتمع وُنظُمِهِ.
لم تكن صورة الجسد وليدةَ عصر من العصور أو حضارة من الحضارات؛ فلا يوجد زمن من الأزمنة قديماً أو حديثًا أو دينٌ سماويٌّ. إلا احتلًّ الجسد مكانة فيه؛ لأن الإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يمنع جسده من الاتصال بالآخرين بل وبالمجتمع كله؛ ذلك لأنه من الصعب أن تسير الحياة دون أن يتصل الناس بعضهم البعض؛ فمع بدء الخليقة بدأ الإنسان في استعمال الرموز، الإشارات، الحركات التعبيرية، والإيماءات في التفاهم مع بني جنسه؛ لقضاء احتياجاته، وتبادل المنافع؛ وإشباع رغباته المختلفة.
إن ارتباط الاتصال الجسدي اللاشفاهي بالتعبير الشفاهي ارتباطًا تامًا؛ فالإشارات والإيماءات تعد هي المجال الرئيسى الذي يُستمد منه الاتصال، وتُفهم من خلاله المعاني المختلفة لهذه الرسائل.
وفي أوضح البحث في إطاره النظري (الاتجاه المعرفي والاتجاه الرمزي)، والمنهج الذي اعْتُمِدَ عليه في الدراسة النظرية والميدانية لصورة الجسد في المثل الشعبي، أوضحت الدراسة أن الأمثال الشعبية في بيئات المدن والمجتمعات المثقفة أخذ في التضاؤل شيئًا فشيء أي أنها في طريقها للاندثار وذلك لعدة أسباب؛ منها: التأثير المباشر للثقافة العالمية التي تمد وسائل الأعلام الحديثة والقنوات الفضائية التي تبسط سلطانها ونفوذها على جميع الثقافات؛ وبذلك سوف تنقطع الصلة بين الفرد وثقافته الشعبية، على اعتبار أنها تمثل الماضي والماضي يحمل سمات الإنسان البدائي . وأيضًا بسبب العزلة التي تفرضها علي كثير من الأسر الحياة المدنية الحديثة، وللمزاحمة الشديدة التي جعلت الأدب المكتوب والمقروء يتصدر الأدب الشفوي المتوارث. كذلك بُعد الجدة عن أحفادها الذي نتج عنه عدم الاحتكاك بين الأجيال الذي تسبب اندثار الأدب الشعبي وخاصة الأمثال الشعبية. حيث تكشف دراسة الأمثال الشعبية عن الواقع النفسي للأمة وما فيها من رواسب للماضي ومن عناصر أو بذور صالحة للحياة قادرة على النمو.
أهم النتائج التالية:ـ
أولاً : لقد تبين من البحث أن المثل الشعبي يشكل أحد الروافد الهامة التي تعبر عن أهمية الدور الذي يلعبه الجسد في ثقافة المجتمع، وتعكسه أفكاره، وتصوراته، وفلسفته الثقافية، وثمرة تجاربه؛ فيكون الإنسان بمثابة الوحدة الأساسية المشَكّلة لهذا المجتمع، وللجسد أهميتُه في تَشَكُّيلِ التعبيرات والإيماءات والإيحاءات للثقافة سواء في ثقافة المجتمع أو في ثقافة الجسد نفسه.
ثانياً: إن لغة الجسـد لغة فـطرية غريزية تبدأ منذ الولادة حين يبدأ الطفل لحظاته الأولى بالصراخ والبكاء كتعبير عن وجوده حيث يبدأ بلمس الأم؛ فيجد الطفل في هذه اللغة التلبية لمتطلبات حاجاته الأولى، فيبادر باستخدام هذه اللغة؛ فيبكي حين يشعر بجوع؛ أو بمغص، أو لاستحضار أمه كنداء لها حتى تحمله ولا تتركه، وغير ذلك ، فيتعلم أن هذه اللغة هي البديل له عن الكلام، وفيها تنفيذ لكل أوامره، وأنها توفر له كلَّ ما يحتاج إليه .
ثالثًا : هناك العديد من الثقافات المختلفة ـ قديمًا وحديثًا ـ قد ركزت محور اهتمامها على أهمية الجسد، ومدى الارتباط الواضح بين نسق القيم والمعتقدات، وبين الجسد كرمز ممثل للثقافة. وذلك من خلال منظومة الثقافات والعقائد الدينية السائدة التي تستند على الحرام والحلال تستند أساسًا على الجسد من خلال الدلالات التعبيرية، والحركات، والإيماءات التي يقوم بها الجسد ما بين النظر واللمس أو غير ذلك مما يُظْهر منظور كل مجتمع للجسد.
رابعًا : أوضحت الدراسة أن هناك إقحامًا لبعض الحركات الجسدية، والإشارات التعبيرية، والرموز الإيحائية الجديدة علي المجتمع المصري، وهي تلك التي تعبر عن الاستنكار، والكراهية، واللامبالاة، وما رافقها من إيماءات، وتعبيرات، وحركات جسدية جديدة مكتسبة من الواقع الحالي تبحث عن الاندماج بالثقافات الأخرى، وهناك من الحركات ما هو تعبير عن الصفات الشخصية؛ كالبخل، والكرم، والجبن؛ وهناك ـ أيضًا ـ من الحركات التي ترجع إلى كثرة الضغوط النفسية، والعصبية التي يستخدمها الشباب نتيجة الاحتكاك بالثقافات الأخرى. والتي صاحبت المشكلات الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمع فساعد ذلك على خلق حركات جديدة للجسد في المجتمع؛ حيث لا يستطيع الفرد في ذلك الوقت التحدث عنها بصراحة تامَّة فيجد في لغة الإيماءات، والإشارات الحلََّ الأمثل للهروب من الكلمات، والتنفيس عن الكبت النفسي بهذه اللغة الصامتة المعبرة عنه، وتكون هذه الإشارات مشيرةً إلى عملية التكيف في المواقف المختلفة.
خامسًا : وضُح من الدراسة الأهمية البالغة للتعبيرات الجسدية؛ حيث يتحمل كل عضو من أعضاء الجسد دلالات ومعاني خفية تنبع من ثقافة الجسد في المجتمع؛ فالوجه له تعبيرات خاصة تعبر السعادة، الحزن، الاشمئزاز، الغضب، الملل… وغير ذلك.
وتحمل نظرات العين الكثير من المعاني تتنوع بين الحقد، الحب، الكراهية، السخرية، التهديد … إلخ؛ أي :من خلال تحليل تعبيرات الجسد يمكن التوصل لعدد من المفاهيم المادية واللامادية التي ترسم صورة واضحة للجسد في ثقافة معينة. وقد يختلف تفسير الحركة أو الإشارة الجسدية الواحدة باختلاف ثقافات المجتمعات.
سادسًا : دللت الدراسة على أهـمية الـدور الاجتماعي الذي يؤديه المثل للبيئة التي يعايشها وتتكون عناصره منها؛ وذلك لأن هذا الدور يكاد يكون أبرز الأدوار التي يلعبها المثل في حياة الناس؛ فهو يدخل في مضمون الحياة اليومية لأفراد المجتمع من أوسع أبوابها فهو يعيش مع الفرد على مدار يومه، ويتسرب إلى أدق تفاصيل حياته .
سابعًا : أوضحت الدراسة أن المثل سلاحُ قويُّ يشهره العامة في مواجهة الشذوذ والانحراف الاجتماعي أيًّا كان؛ باعتبار سياج من القيم يضربه أفراد المجتمع في مواقف الحياة اليومية؛ كدرس من دروس الحياة اليومية. ويكون للمثل دور في التشريع الاجتماعي ويلعب أحيانًا دور الناصح الذي يقول ما ينبغي أن يسود في المجتمع، ويشير إلى ما ينبغي أن يُزاول فيه؛ ولذلك نجد أن المثل قد فرض بعض الشروط، واستنَّ لنفسه بعض اللوائح والقوانين التي تنظَّم العلاقة بين الناس بعضهم البعض من ناحية، وبين العبد وربه من ناحية أخرى؛ وبذلك شكَّلت الأمثال مصدرًا أساسيًا من مصادر الاحتياجات الأخلاقية والاجتماعية التي لا تخرج عن كونها نصوصًا تنظم قانونية العلاقات الإنسانية .
ثامنًا : يمكن اعتبار المثل مصدرًا مهمًا للتأريخ الاجتماعي؛ لأنه حصيلة عـصر معين أو حدث معين. وكذا يحتوي المضمون الفكري للمثل جميعَ المبادئ والأخلاق السامية؛ كالعفة، الفضيلة، الصدق، الكرم، القناعة، وحسن الجوار، الحزم، الصبر، الشجاعة، عزة النفس، والإيثار، والاستقامة... وغير ذلك مما يمكن أن يحمله المثل في داخله من قيمٍ ومُثلٍ عليا سامية يسعى إليها الإنسان.
تاسعًا : كذلك أوضحت الدراسة أن المثل يتضمن التحذير من اكتساب بعض الصفات السـيئة؛ كالظلم، والفتنة، والبخل، والطمع، وعدم احترام الجار. ويحث على صلة الرحم وإكرام ذوي القربى، والتعاضد، والتماسك بين الأهل؛ باعتبار أن المثل سلاح ذو حدين يذكر العيوب الاجتماعية ويضعها أمام الناس مكشوفة أملا في محاربتها والتخلص منها؛ كما يبرز المحاسن والمناقب ويحض عليها أملا في اكتسابها والتمسك بها مما يدلل على أن الأمثال تعكس صورة حية لحياة الإنسان بخيرها شرها وحلوها ومرها، وعلى أن الأمثال الشعبية جزء من التراث الشعبي الذي يساهم في تشكيل المجتمع المصري، وصقله، وضبطه .
عاشرًا: إن الأمثال الشعبية تعتبر أكثر فروع الثقافة الشعبية ثراء من حيث اللغة. وتعتبر كذلك في معظم حالاتهاـ نتاج تجربة شعبية طويلة تلخَّص إلى العِبْرة والحكمة؛ وعليه يكون المثل معَّبرًا عن عادات الشعوب، وأسلوب معيشتهم، ومعتقداتهم، ومعاييرهم الأخلاقية ، وليس مجرد شكل من أشكال الفنون الشعبية، بل هو ناتج عن صراع في الحديث يدفع إلى توليد المثل الشعبي، كذلك تؤثَّر الأمثالُ الشعبية مباشرةً في سلوك الناس؛ فالمعنى والغاية يجتمعان في كل مثل من تلك الأمثال، وتعتبر ـ الأمثال في تركيبها ومجملها كتابًا ضخمًا يتصفح فيه القارئ أخلاق وثقافات وحكم الأمم وعاداتها.