Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
التطهير العرقى:
الناشر
محمد عادل محمد سعيد،
المؤلف
سعيد، محمد عادل محمد.
الموضوع
التطهير العراقى. المسئولية الدولية. الجريمة الدولية. المسئوليه الدوليه.
تاريخ النشر
2008 .
عدد الصفحات
888 ص.؛
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 462

from 462

المستخلص

ما حدث في العقد الأخير من القرن الماضي أثناء النزاعات المسلحة في البوسنة والهرسك ورواندا وكوسوفو ينبئ بأن ما حدث من أعمال تطهيرية بعد الحرب العالمية الثانية ، ومنها على سبيل المثال : الإبادة في كمبوديا لم تكن من قبيل الصدفة أو أعمالا استثنائية كانت قد انتهت ممارستها كظاهرة بسقوط النازية ، ولكنها ”ظاهرة التطهير العرقي” مستمرة ، بل وازداد انتشارها وأصبحت إلى حد كبير مرتبطة بالمنازعات المسلحة الداخلية والدولية . فليس هناك من نزاع مسلح الآن إلا وترتكب فيه أعمال التطهير العرقي . ويدل على ذلك أحداث العراق ودارفور والأحداث المستمرة في فلسطين والحرب اللبنانية الإسرائيلية الأخيرة التي همت فيها إسرائيل للقضاء على حزب الله وسلاحه بمباركة من القوى العظمى وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية . كل ذلك في عصر وجدت فيه المنظمات الدولية ، ويحكم العالم قانون دولي ينظم العلاقات فيما بين الدول ، ويقف حجرة عثرة في وجه من يحاول العبث في حقوق الإنسان وحرياته الأساسية . ورغم إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية وإصدار الكثير من المواثيق الدولية - ومنها على سبيل المثال اتفاقية إبادة الأجناس والإعلان العالمي لحقوق الإنسان المبرمين عام 1948 - والتي تهدف إلى قمع ومنع ارتكاب الجرائم الدولية ، ومع ذلك ما زالت هناك بعض الدول التي لا تنأى بنفسها عن هدم المثل والقيم العليا بالإساءة المستمرة إلى الإنسانية بارتكاب أبشع الجرائم التي تنال من أمن وسلم البشرية وتؤرق ضميرها . br لذلك وجدنا من الأهمية بمكان التعرض بالدراسة لموضوع التطهير العرقي وسبر أغواره ، خاصة بعد أن وجدنا أن فقه القانون الدولي العام والقانون الجنائي المقارن رغم أهمية الموضوع لم يطرقوا أبوابه . وترجع هذه الأهمية مـن الناحية النظرية إلى توضيح وبيان ماهية التطهير العرقي وعناصره والوقوف على بواعثه وعوامله وآثاره ، وترجع أهميته العملية إلى عرض بعض التوصيات والتدابير المقترحة التي من شأنها منع ارتكاب التطهير العرقي وتجنيب البشرية ويلات هذه الجريمة . br وإذا أردنا في هذا المقام أن نعطي نبذة موجزة عن التطهير العرقي ، تمثل المفتاح والمضمون العام لهذه الدراسة ، فنجد أن التطهير العرقي مصطلح حديث النشأة لم يظهر إلا في العقد الأخير من القرن المنصرم إبان النزاع في البوسنة والهرسك (1992 – 1995) . ولكن التطهير العرقي كممارسة أو كسياسة ليس بالأمر المستحدث ، حيث أنه قديم قدم ظهور الإنسان على ظهر الأرض ، حال كون التطهير العرقي عبارة عن حشد من الجرائم ، منها أقدم الجرائم وهي القتل ، كما أنه جريمة مركبة تركيب معقد من الأعمال المجرمة داخلياً أو دولياً أو الاثنين معاً . br فالتطهير العرقي كجريمة يحمل بين طياته عدد من الجرائم بحيث من الخطأ حصرها ، لأن منها ما هو معروف الآن ومنه ما قد يستجد مستقبلاً وليس في مخيلتنا الآن . لذلك استطيع القول وبلا أدنى حرج أو تخوف أن أطلق على جريمة التطهير العرقي بأنها أم الجرائم ، حيث سنجد من خلال هذه الدراسة أن الأعمال المرتكبة في إطار ممارسة أو سياسة التطهير العرقي وسواء في زمن السلم أو في زمن الحرب الأهلية ، كلها أعمال مجرمة داخلياً . وأيضاً نجد أن الأعمال المرتكبة في إطار المنازعات المسلحة الدولية تنفيذاً لسياسة دولة [ أو سياسات دول ] لتحقيق التطهير العرقي كلها أعمال مجرمة دولياً . وبإمعان النظر والتدقيق في الجرائم والأعمال المجرمة داخلياً ودولياً نجدها جميعها مما تستخدم في تنفيذ سياسات التطهير العرقي . لذلك فسياسة أو ممارسة التطهير العرقي جريمة تتضمن حشد من الجرائم الداخلية والدولية . إذن فجريمة التطهير العرقي هي أم الجرائم . br هذا والتطهير العرقي قد يمارس في زمن السلم ويمثل سياسة دولة ضد جماعة معينة غير مرغوب فيها بسبب انتمائها العرقي أو الديني أو الثقافي ... إلخ . كما قد يكون هدف جماعة معينة ضد جماعة أخرى يثور بينها نزاع مسلح وتريد الأولى من خلاله التخلص من الثانية . كما قد يشب نزاع بين دولتين أو أكثر بهدف القضاء على سياسة معينة داخل دولة أو نموذج وشكل قومي معين أو حتى جماعة معينة بسبب انتماءاتها . لذلك فالتطهير العرقي يرتكب في زمن السلم كما قد يرتكب في زمن الحرب . br ونظراً لبشاعة التطهير العرقي وآثاره المؤلمة حيث إبادة الجنس البشري تمثل النموذج الصارخ للتطهير العرقي ، بل والجريمة الأكثر استخداماً لتحقيق التطهير العرقي ، مما يؤرق معه ضمير الإنسانية ، ويقضي على آمال الجماعات والشعوب ، ويمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين ، وهو ما عبرت عنه الأمم المتحدة من خلال القرارات الصادرة عنها , وبصفة خاصة من الجمعية العامة ومجلس الأمن , والمعنية بالمنازعات في البوسنة والهرسك ، ورواندا ، وفي كوسوفو . لذلك فإن التطهير العرقي يمثل جريمة دولية معني بها القانون الدولي ، يؤكد ذلك أن هناك أعمالا ترتكب في إطار تحقيق التطهير العرقي مثل الإبادة والتمييز العنصري والاسترقاق وغيرها وهي جرائم دولية . br هذا وكما قلنا فإن من الأعمال المجرمة داخلياً منها ما ترتكب تحقيقاً لسياسة التطهير العرقي ، وغالباً ما ترتكبها حكومة ضد جماعة أو جماعة ضد أخرى غير مرغوب فيها . لذلك فالتطهير العرقي جريمة داخلية أيضاً ، ولكنه قد لا يحمل اسم جريمة التطهير العرقي في القوانين الجنائية الداخلية ، حيث قد يحمل اسم جريمة قتل جماعية أو جريمة تدمير ممتلكات خاصة أو جريمة الاستيلاء على مال الغير ...........الخ . br إذن فالتطهير العرقي معنى به كل من القانون الدولي العام والقوانين الجنائية الوطنية ، فالقانون الدولي العام لم يعد هو ذلك القانون الذي ينحصر في تنظيم العلاقات بين الدول وطرح أطر التعاون فيما بينها ، فقد تخطى هذا القانون تلك الحدود ليلقي بالمبادئ والمثل المنبثقة عن الاتفاقات الدولية بشتى صورها على النظم القانونية الداخلية المختلفة ، وأهمها النظم القانونية الجنائية الداخلية ، وذلك من أجل ضمان احترام حقوق الإنسان الأصلية وحرياته الأساسية . وفي إطار ذلك نجد أن القانون الدولي العام قد تضمن العديد والعديد من القواعد القانونية التي تحرم وتمنع ارتكاب الجرائم الدولية والتي يرتكبها في الأساس أشخاص القانون الجنائي الداخلي وهم الأشخاص الطبيعيين . فكان لزاماً أن تتضمن النظم القانونية الجنائية الوطنية تلك القواعد القانونية التي في أصلها قواعد دولية لردع مرتكبي الجرائم الدولية ، وإن كان جانب العقاب متروك للقوانين الجنائية الوطنية ، فإن ذلك دليل على تكامل القواعد القانونية الدولية والداخلية . br هذا والقانون الدولي العام إذا أضحى معني بحماية حقوق الإنسان وإزداد الاهتمام الدولي بذلك ، فإن هذا لم يكن بالمستحدث بل هو معني بها منذ نشأته . فالجرائم الدولية هي في الأساس تمس حقوق الإنسان الأصلية وحرياته الأساسية لذلك فضمان حماية هذه الحقوق والحريات يكون من خلال منع وقمع الجرائم التي تمسها ، وموضوع حقوق الإنسان أضحى الاهتمام به في الآونة الأخيرة سواء على المستوى الدولي أو المستوى الداخلي ظاهرة بارزة ، إذ حمايتها تشكل الغاية المنشودة لكل المجتمعات . فالإنسان هو محور الحياة على هذه الأرض وهو المعني في النهاية من قبل القواعد القانونية الدولية والداخلية . فحقوق الإنسان تمثل الركيزة الأساسية لضمان العدل والسلام والمساواة في شتى أرجاء المعمورة . لذلك فإن مكافحة الجرائم التي تنال من هذه الحقوق هي – وبحق – ضمان لحماية الحقوق والحريات الأساسية لبني البشر . br ومن هنا رأينا التعرض لموضوع التطهير العرقي بإعتباره يمثل الجريمة الأم لجميع الجرائم الدولية ، فهو يمس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إنتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، تلك الإنتهاكات التي تمثلها الصور والأنواع المختلفة للجرائم الدولية . ونرى أن معالجة سياسات التطهير العرقي وما ينبثق عنها من جرائم سوف تمثل معالجة لباقي أنواع الجرائم الدولية الأخرى . br لذلك فسوف نبحث في أحكام القانون الدولي العام والقوانين الجنائية الوطنية المتعلقة بسياسات أو ممارسات أو جرائم التطهير العرقي ، حيث موضوع البحث هذا يقع بين حافتي القانون الدولي العام والقانون الجنائي المقارن والتي يعبر عنها الآن بالقانون الدولي الجنائي على النحو الذي سيرد تفصيله.